رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على كل مصرى أن «يتشاءل»!

وأنا أتابع حديث الرئيس، أمس الأول، وفى خلفيته كل ما يدور فى مصر والعالم سألت نفسى هل علينا أن نتشاءم؟ أم نتفاءل؟ ووجدت نفسى أجيب بأن علينا أن «نتشاءل»، وهو لفظ مشتق من دمج كلمتى «التفاؤل» و«التشاؤم» معًا، وصاحب براءة الاختراع هو الأديب الفلسطينى الكبير «إيميل حبيبى» صاحب رواية «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل».. إن الحل الوحيد فى مصر فى هذه الأيام أن «نتفاءل ونتشاءم» معًا، ولكل من الشعورين مبرراته ودوافعه واعتباراته.. ذلك أن سيناريو «التشاؤم» الذى يرفعه بعضهم وما يقود إليه من تسويد الحياة فى عيون الناس وإحباطهم وهز ثقتهم فى أنفسهم هو سيناريو يمكن وصفه بـ«القسوة» حينًا وبـ«السادية» حينًا وبالـ«غباء» حينًا.. لو افترضنا حسن النية.. وهو أيضًا يمكن وصفه بالرغبة فى «هز الثقة فى النفس» أو «المساومة الرخيصة» أو «الفصال المبتذل» أو «الضغط على من يملك ليفرط فيما يملك بثمن غير مناسب» إذا افترضنا سوء النية.. وإذا انتابنا نوع من سوء الظن، وهو كما نعرف جميعًا يكون أحيانًا من «حسن الفطن» كما يقول المثل المعروف.. وأحيانًا يكون «سوء النية» و«حسن النية» متوافرين معًا وفى ذات الخطاب أو المقال أو البرنامج.. إلخ، وهو ما يعرف بـ«الازدواجية» وهى حالة يوصف بها بعض الأشخاص كأن تقول إن فلانًا «مزدوج الولاء» أو «مزدوج الانتماء» أو تصف شخصًا فتقول إنه «عميل مزدوج»، وهى كلها حالات موجودة فى الواقع من حولنا ونصادفها بين وقت وآخر.. ومن عيوب إشاعة التشاؤم، حتى ولو بحسن نية، أن بعض صغار العقول والباحثين عن دور والآكلين على موائد هذا البلد أو ذاك يلتقطون ما يقوله «المتشائم» ليسودوا به حياة الناس ويدفعوهم إلى مهاوى اليأس والعدم، ويؤكدون أن الأمور لم تكن لتسير إلى ما سارت إليه لو تم «استوزارهم» أو «تكليفهم» أو «تربيحهم» بأى طريقة كانت، أو الاستماع إلى نصائحهم الثمينة التى يكتبونها كل صباح على «فيسبوك»، ومن حسن حظنا أنه لا يلتفت إليها أحد.. ومع ذلك، وبغض النظر عن سوء أو حسن النوايا، فإن استمرار الحرب الأوكرانية الروسية إلى ما لا نهاية هو أمر يدعو العالم كله لـ«التشاؤم».. حيث يعانى الإنجليز والألمان والفرنسيون من التضخم وندرة السلع وغلاء الأسعار فما بالنا بسكان الدول الأكثر فقرًا والأكثر اعتمادًا على الاستيراد.. لكننا يجب أن نتشاءم تشاؤمًا إيجابيًا، وهو ذلك النوع الذى ينبنى عليه «فعل يغير الواقع» كأن نطلق حملة عملاقة لترشيد الاستهلاك يتطوع فيها نجوم الفن والكرة لإقناع الناس بترشيد الإنجاب والاستهلاك وكل شىء يمكن ترشيده، وأن يخصص الإعلاميون حلقات لإطلاع الناس على حالة التضخم فى العالم كله، وأن يخرج علينا معارض ذو ضمير يقول إنه ليس من العدل الخلط بين تداعيات الأزمة «هى عدة أزمات فى الحقيقة» وبين تصفية الحسابات مع منهج الدولة فى التنمية.. إلخ، هذا كله تشاؤم إيجابى يدفعنا للعمل والمواجهة ومصارحة الناس بالحقائق وبأن التهديد بالانفجار ليس هو الحل، وهو بالمناسبة لا يحمل أى خير لأحد.. فالناس ليسوا شيئًا واحدًا، وهناك من يؤيد وهناك من يعارض، وبالتالى سيتم استنزاف الطاقات فى مجادلات ندعو الله أن يحمى مصر منها.. أما ما يدعو إلى التفاؤل وسط هذه الأزمة الطاحنة فهو عدة عوامل لها اعتبار، أولها أن الرئيس نفسه متفائل ويبدو واثقًا إلى حد كبير وهو يعبر عن هذا على طريقة كل المصريين قائلًا إنه يضع ثقته فى الله أو فى عدل الله الذى يكافئ من يعمل بجد واجتهاد.. وهذا مبدأ يؤمن به المصريون جميعًا بغض النظر عن ديانة كل منهم أو مدى تدينه من عدمه، وتعبر عنه حكمة كنا ندرسها فى المرحلة الابتدائية مفادها أن «من جد وجد.. ومن زرع حصد».. من عوامل التفاؤل وجود مؤسسات دولة قوية فى قلبها الجيش المصرى الذى يسخّر كل التراكم الذى حققه لخدمة مصر، سواء تراكمًا ماديًا أو معرفيًا أو مهاريًا.. إلخ، وبالتالى فإن كل جنيه ربحه الجيش المصرى من أنشطته الاقتصادية هو موجود فى مصر ومسخّر لخدمة مصر ومبذول من أجل مصر.. من عوامل التفاؤل أيضًا تعهد الدولة برعاية الـ٣٠٪ الأكثر احتياجًا وقيادتها لشبكة تضامن اجتماعى عملاقة من المجتمع المدنى والمؤسسات والأفراد.. إلخ، من هذه العوامل أيضًا سير الأمور فى اتجاه مزيد من اعتماد أوروبا على الغاز المصرى وارتفاع أسعاره رغم أن ما نصدره ما زال قليلًا.. لكن أليس هناك احتمالات بأن تسفر جهود التنقيب عن مفاجآت سارة؟ ربما.. لا أحد يعرف.. مهما كان متشائمًا أو متفائلًا.. إنها الجهود تجرى على مدار الساعات والأيام والدقائق والباقى بيد الله فعلًا أو «فى يد الحظ إذا كنت غير متدين»، ولعل هذا هو أحد الاحتمالات التى يفكر فيها الرئيس وتجعله متفائلًا أو واثقًا فى عدل الله وفى نتيجة عمله.. من الأمور التى تدعو للتفاؤل أيضًا المرونة البادية فى خطاب الدولة المصرية تجاه الاختلاف، والتى نتجت عن تراجع تحديات القوى الخارجية والجماعة التابعة لها والانفراجة فى ملف السجناء على ذمة قضايا الإثارة السياسية والدعوة الشفاهية للعنف، وكذلك إبداء المرونة تجاه القطاع الخاص والاستماع لمشاكله.. وأظن أن هذه المرونة يجب التعبير عنها بحوار اقتصادى موازٍ يُدعى له ممثلو المستثمرين والصناع ورءوس الأموال وخبراء الاقتصاد والمسئولون ويرعاه الرئيس.. ويقول كل طرف ما لديه بمنتهى الشفافية والوضوح.. هذه كلها مبررات تدعو للتفاؤل وللتشاؤم معًا.. لذلك أدعو الجميع لـ«التشاؤل» حتى انتهاء الحرب ومرور الأزمة التى أثق أنها ستمر كما مر غيرها بإذن الله.