رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجع بريطانيا العظمى.. رواية ترصد صراع الصعايدة والمستعمرين فى أسيوط

حسام العادلى
حسام العادلى

«لا أمل فى عودة الناس إلى صحيح الدين إلا بصحوة إسلامية جديدة».. كلمات مقتبسة من رواية «نجع بريطانيا العظمى» للكاتب حسام العادلى، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، التى فازت بجائزة الدولة التشجيعية.

«نجع بريطانيا العظمى» عنوان لافت، فالنجع هو تجمع السعداوية بالصعيد فمن أين جاء الكاتب بالعنوان؟ هنا تدخل الرواية لتكتشف أنك أمام تاريخ يتمدد إلى الخلف لبدايات القرن العشرين وصراع عائلة السعداوية للفوز بالعمدية ثم خسارتها، ولا ينفصل ذلك كله عن الوجود البريطانى والحربين العالميتين الأولى والثانية حتى ثورة يوليو وما بعدها إلى عام ١٩٥٦. 

تدور أحداث الرواية، التى تضم ٢٣٤ صفحة، حول حقبة مهمة فى تاريخ مصر وهى بداية القرن العشرين، التى تتمثل فى فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية حتى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وتأميم قناة السويس. 

ويرجع اختيار الكاتب لـ«نجع السعداوية» بالتحديد ليكون المكان الرئيسى لتنطلق منه أحداث الرواية، حيث يوجد فى صعيد مصر، وبدأت الرواية فى صفحاتها الأولى فى الفصل الأول، الذى جاء تحت عنوان «قناة السويس.. شركة مساهمة مصرية»، من نهاية الأحداث وهى سقوط الملك ورحيل الإنجليز وسيطرة الضباط الأحرار على مصر، وما تبع ذلك من تأميم لشركة قناة السويس، واستبعاد كل أنصار الملك والاحتلال من الصورة نهائيًا.

ومن النجع يأخذنا إلى مدن بالقاهرة ودول أجنبية، فى لندن وفلسطين وفرنسا، حيث أماكن الرواية على الرغم من اقتصار عنوانها فى مكانين هما النجع وبريطانيا، وكأنه يوحى للقارئ بأن الأحداث تدور فى هذين المحيطين. 

وقد بدأت أحداث الرواية عام ١٩٥٦، انطلاقًا من سفر «زين»، حفيد العمدة الكبير «السيد» إلى عمه حسانين فى القاهرة، لشراء مصنع الخواجة الإنجليزى هاريس، ثم يعود الحكى نصف قرن للوراء، وبالتحديد فترة الاحتلال الإنجليزى على مصر وهى الفترة التى حاول الإنجليز السيطرة على مصر ونهب خيراتها وثرواتها، إضافة إلى ثورة يوليو ٥٢. 

وعلى الرغم من قوة العمدة السيد إلا أنه كان ضعيفًا أمام هاريس الممثل لسلطة الاحتلال الإنجليزى، حيث كانت العلاقة بينهما قوية لدرجة أن يقتل العمدة السيد، عشيق زوجة هاريس، لابان السفير الفرنسى، ويقطع رأسه ويدفنه فى مقام على أطراف الكامب.

ويتطرق المؤلف إلى مقتل العمدة السيد، الذى قصد به الكاتب إلى نوع من صنوف الناس فى مصر، وهى الشخصية المصرية الوصولية التى على استعداد أن تفعل أى شىء من أجل التسلق والتملق والوصول إلى السلطة والبقاء فى المنصب. 

وأشار الكاتب إلى أنه بعد رحيل العمدة، وتولى العمدة حسن الذى كان يُعرف بأنه ضعيف الشخصية، وكان فى هذا التوقيت قد رحل الإنجليز وقامت ثورة يوليو، شهدت تلك الفترة تغيرات فى حياة الفلاحين، وتمردوا على السعداوية وبدأ صيتهم وسطوتهم يقلان وأصبح لا صوت لهم، وكان الأمل الوحيد الذى كان يمكن أن يعيد للسعداوية هيبتها متمثلًا فى حسانين ابن السيد القوى، إلا أنه هرب إلى القاهرة بعد قتله الشيخ «أبوالجود».

وتطرق الكاتب إلى تاريخ عائلة السعداوية، حيث قال: «إنهم كانوا من عائلة متواضعة فى النجع إلى أن تحقق مجدهم ابتداء من محمود، الابن الأوسط للشيخ سعدالله، بعدما عينه خاله العمدة القديم شيخًا للخفر خلال هجمات المطاريد على النجع وسائر القرى المجاورة، ينزلون على النجع من شقوق الجبل كالقضاء المستعجل، يهجمون على البيوت ينهبون المال ومصاغ النسوان».

ومن «نجع السعداوية» تتفرع منه الحكايات، وتنطلق منها لتمثل ملحمة عن الحياة المصرية فى القرى والنجوع.

ويسلط المؤلف الضوء خلال الرواية على الظواهر الاجتماعية آنذاك، مثل صناعة الخرافات، ومظاهر الموالد، خاصة مولد الشيخ الطشطوشى الذى كان أحد المطاريد الخارجين على القانون قبل أن يتوب، وبناء مقام له يلجأ إليه الناس عند حدوث مشكلات وخلافات.

ولأن الإنسانية جزء لا يتجزأ من العالم، كان لا بد أن يشير إليها المؤلف، فقد رمز إليها فى «الكامب الإنجليزى» وهو المكان المقام على أرض النجع، حيث تضيع ملامح المكان النقى، ويصبح قابلًا لهوية واحدة، الهوية الإنسانية بكل غرائزها وجرائمها.

وتنتهى الرواية بحدوث فيضان يُغرق النجع، حيث تركزت فى منتصف النجع المياه المحملة بكرات الطمى الصلبة تجتاز سدود الرمال والتراب وتتجمع فى دوامات هائلة تقصد فى إصرار القبة الخضراء، ما أدى إلى غرق المقام الذى عجز الأهالى عن إنقاذه.

وخلال هذه الرواية صوّر لنا المؤلف الصراع الدائر بين المصريين والإنجليز من خلال الجنس على عدة مستويات، الذى جسده فى العلاقة بين أنور صِدِّيق وكارمن، حسانين وكارمن، هاريس وحكمت، والصراع الطبقى فى العلاقة بين زين حفيد العمدة وفاطمة ابنة الأجير قبل الثورة.