رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخرج أحمد طه: شباب الأقاليم يحتاجون إلى الرعاية لا الدعاية.. وابدأ حلمك فتحت الباب

المخرج أحمد طه
المخرج أحمد طه

- تأسيس فرق نوعية بلائحة جديدة فى الأقاليم من شباب المتدربين

- هناك تحصين إدارى للمشروع حتى لا يرتبط بوجود مسئول بعينه

- عروضنا عن الثأر والختان والزواج المبكر حققت تفاعلًا كبيرًا بين الريفيات

أحمد طه، المخرج المسرحى المدير الفنى لمشروع «ابدأ حلمك».. بدأ من مسرح الجامعة وحدد انحيازه من البداية للمسرح المهمش.. المسرح فى الأقاليم.. فقدم عروضًا مميزة للثقافة الجماهيرية منها: «نظرة، وشد حيلك».. وهو المدير الفنى للمشروع فى كل محافظات مصر، الذى تقيمه الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت رعاية وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبدالدايم.. صار هذا المشروع منفذًا لتلبية احتياج شباب الفنانين فى الأقاليم لرفع قدراتهم وإعطائهم الفرصة لتقديم مسرح يعبرون من خلاله عن أنفسهم وتطلعاتهم وأحلامهم، مسرح عضوى يعبر عن ثقافة المكان وهمومه، حيث هم الأقدر على التعبير عنهما، لم تكن الشهرة إحدى أولوياتهم إلا أن مشاركة عدد منهم فى برنامج «الدوم» حققتها.. هؤلاء الشباب الذين، وفقًا لوصف المدير الفنى للمشروع، يحتاجون الرعاية أكثر من الدعاية.

وكان لـ«الدستور» هذا الحوار مع المخرج أحمد طه عن رحلته مع المسرح، وعن مشروع «ابدأ حلمك» وآفاقه المحتملة. 

■ حدثنا عن بدايتك فى المسرح.. وكيف تبلورت رؤيتك الفنية واتجهت لمسرح الأقاليم رغم أنك تعيش فى القاهرة الكبرى؟

- بدأت من مسرح الجامعة، وفى بدايات عملى بالمسرح كنت كثيرًا ما أحصل على دعم لمسرحى من الحاجة كريمة أمى.. وفى التسعينيات كنت مهتمًا بأن أسهم فى نقل مسرح الثقافة الجماهيرية فى المسرح المصرى على مستوى الصورة البصرية والمحتوى.

■ «ابدأ حلمك».. كيف بدأ الحلم؟

- لاحظت، أثناء عملى، غياب تخصص التدريب فى الثقافة الجماهيرية، فبدأت إرهاصات فكرة تدريب فنانى الأقاليم فى عام ٢٠٠٠، فأسست الورشة الدائمة لشباب الأقاليم ببيت السحيمى، ولكن كان هناك خلاف فى الرؤية، حيث كان رأى المسئولين قصرها على القاهرة والجيزة فاعتذرت، لكن بقى الحلم بداخلى.. حتى تحقق مع الفنان عادل حسان فى مسرح الشباب، وحين حضرت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم بروفة بمسرح الجمهورية تحمست جدًا وطلبت أن يعمم هذا النموذج فى الأقاليم، فنزلنا محافظات بنى سويف وأسيوط والفيوم والشرقية وبورسعيد وكفرالشيخ، ونعمل حاليًا على أسوان والجيزة.

■ هل اختلف واقع وطبيعة ومتطلبات مسرح الثقافة الجماهيرية عن الفترة التى قدمت فيها عروضك كمخرج؟ 

- الواقع كله اختلف، ما قبل ٢٠١١ مختلف تمامًا عما بعدها، ثورة التكنولوجيا والسوشيال ميديا امتد أثرها وانعكست على أداء المؤسسات الحكومية، وكان علينا أن نعالج المسافة بين الأداء البيروقراطى «البليد»، وبين جيل يتبادل المعلومات فى ثوان بالإيميل والبلوتوث فى مؤسساتنا الحكومية ومن ضمنها هيئة قصور الثقافة.. لذا فقد عمل المشروع على تمكين الشباب وإعادتهم لقصور الثقافة، فلا يعقل أن تكلف الدولة المسارح ملايين الجنيهات ويذهب الشباب لتأجير قاعة مجهزة للتدريب أو البروفات.

درسنا أيضًا خريطة الإنتاج المسرحى فى مصر، وهو كثيف للغاية بالمقارنة لعددنا، فنحن ننتج سنويًا ما يفوق الـ٥٠٠٠ عرض مسرحى بين عروض احترافية وهواة.. فى ظنى أنه لا توجد دولة فى العالم عندها كثافة إنتاج مسرحى على هذا النحو.

■ لدينا حراك مسرحى لا حركة.. وعروض كثيرة تعرض لأكثر من ليلة وفرق تبدأ ولا تلبث أن تتوقف.. ما تفسيرك؟ 

- مسألة عدم وجود أثر موازٍ لهذا المنتج أمر كان علينا أن ندرسه لنتعرف على الخطأ المنهجى لتلك المعضلة التى حاول «ابدأ حلمك» أن يسهم فى الإجابة عنها، عبر فتح باب جديد ومختلف ومتحرر للشباب. جزء من «ابدأ حلمك» هو محاولة لضبط بوصلة الإنتاج المسرحى، فحين نضع أمامنا خريطة للإنتاج المسرحى، نستطيع أن نحدد هوية المسرح فى تلك الأماكن. 

■ ما معايير اختيار المشاركين فى «ابدأ حلمك»؟

- الموهبة، والرغبة، وشرط ألا يتجاوز عمره من ١٨- ٣٥ سنة، وهذه هى القوة الشابة الضاربة، ماعدا استثناءات قليلة حين نجد موهبة تدهشنا أصغر أو أكبر نكسر هذا المعيار، مثل بنت فى أسيوط عندها ٩ سنين اسمها سيلينا سمير، قبلناها، ثم ثبت استحقاقها حين شاركت فى «المبدع الصغير» بمسرحية من تأليفها وفازت بالجائزة الأولى.

■ ما طبيعة خطة التدريب فى المشروع؟ 

- هو مشروع تدريبى ممتد الأثر ينقسم إلى ثلاث مراحل «دراسة نظرية، وتدريب عملى، وجانب تطبيقى: مرحلة مشاريع التخرج»، وشمل التدريب مجالات: فن التمثيل والصوت والرقص والدراما والسينوغرافيا «المنظر المسرحى»، إضافة إلى بعض المهارات النوعية مثل فن العرائس والحكى و«البانتومايم»، تمتد تلك لـ٦ أشهر، ثم نبدأ مرحلة أقل من ٣- ٤ أيام شهريًا للمتابعة.

■ ماذا بعد انتهاء التدريب؟ 

- تم تأسيس فرق نوعية بلائحة جديدة فى الأقاليم من شباب «ابدأ حلمك»، وهناك محاولة لإثراء مسرح الأقاليم بمخرجين كبار لديهم مدارسهم وتاريخهم مثل عصام السيد وناصر عبدالمنعم، 

■ استهدف «ابدأ حلمك» الممثلين.. ولكن أين نحن من صناع العروض التى سيؤديها الممثلون؟

- علينا أن نعرف أن الإخراج بخلاف التمثيل- فلا يوجد شخص فى بداياته عايز يكون مخرج، لكنه بالضرورة شخص مر بالتجربة المسرحية كممثل وكمساعد مخرج، فتم توجيهه وأعاد اكتشاف ذاته، لأن الإخراج ليس موهبة كالتمثيل والغناء، الإخراج رؤية ووعى، وبالفعل وجدنا عناصر مميزة ووجهناها إلى الإخراج، واستعنا بأحد أهم المخرجين وهو المخرج عصام السيد فى تدريبهم. 

■ هل هناك خطط للربط بين «ابدأ حلمك» و«حياة كريمة»؟ 

- فى حدود علمى شباب «ابدأ حلمك» فى أسيوط والإسماعيلية قدموا عروضًا تحت إشراف الأستاذ عصام السيد عن الثأر والختان والزواج المبكر، وعرضوها فى قرى «حياة كريمة»، وإحدى البنات قدمت عرض «بره الصندوق» فى إحدى قرى أسيوط عن عدم توريث البنات وتفاعلت معه نساء القرية بشكل كبير.

■ دائمًا خلف النجاح تحديات وصعوبات واجهتكم.. فما هى؟ وكيف استطعتم التغلب عليها إن حدث؟ 

- كان هناك دعم كبير من رئيس الهيئة المخرج هشام عطوة، والوزيرة الدكتورة إيناس عبدالدايم، مما ذلل الكثير من التحديات التى كانت فى معظمها صعوبات إدارية بسيطة.. لكن هناك تحديات كبيرة تحتاج المزيد من الوقت والعمل الجاد، فما زال العمل الثقافى مقيدًا بحزمة قوانين بليدة يعانى منها المسئولون أنفسهم، كلائحة الأجور المجحفة التى لم تتغير من سنة ٩٥، كذلك هناك ما يسمى الخدمات الحكومية، التى تنص على تقديم عروض شراء لأى صنف ترغب المؤسسة فى شرائه ثم تأخد الأقل مالًا والأكثر جودة.. وهذ يطبق حتى على المخرجين والممثلين، فهل هذا يناسب الفن، وكذلك موضوع الفاتورة الإلكترونية التى تطبق على الفنان بلا مبرر، ونحن فى مأزق حقيقى بسببها كفنانين، ويحتاج الأمر إلى أن ينظر النواب للثقافة كأولوية.. واجهنا أيضًا عقبة «كورونا» واستعنا بـ«الأونلاين» خلال تلك الفترة مستعينين بنخبة من أهم المدربين فى مصر والوطن العربى. 

■ على مدى ٣ سنوات هل كانت هناك تحديثات ومراجعات؟ وما الضامن ألا يرتبط المشروع بوجود أشخاص أو مسئولين فى مناصبهم؟ 

- طوال الوقت كانت لدينا مراجعات، لأن الهيكل الإدارى للمشروع يتضمن لجنة عليا وبها رئيس الهيئة وشخصيات عامة، وهذه اللجنة منوط بها وضع استراتيجية طويلة الأمد للمشروع وتذليل العقبات الكبرى.. وهناك أيضًا لجنة فنية تعمل على الخطة الفنية للتدريب، وتجرى تقييمًا مستمرًا وبناء عليه نعدل مسارات التدريب، وهناك تحصين إدارى للمشروع، وهو غير مرهون بوجودى ولا بوجود أى مسئول، مرهون فقط بوجود المخلصين للعمل على الأرض الممهدة. 

■ «ابدأ حلمك» هو فكرة تسوق نفسها بنفسها كونها تلبى احتياجًا فعليًا للتدريب.. لكن هل توجد آليات تسويقية أخرى استخدمها المشروع؟ 

- سادة الحروب هم المشاة، لأنهم هم من يشغلون متر الأرض، والشباب يحتاجون إلى الرعاية أكثر من الدعاية.. وهم أنفسهم من سيسوقون شغلهم، فهم أهل المكان ويدركون ثقافته، ثم يأتى النقاد حين يكتبون ويشيرون إلى ما تحقق أو يعيدون توجيهنا.. لكن الأهم هو المنجز لأنى لا أراه «تريند» بل بناء على الأرض. 

■ هل استطعتم تلمُس أثر مبكر للمشروع فى المحافظات؟

- سأضرب مثلًا.. حين قدمنا عرض أسيوط لفت نظر وزيرة الثقافة أن لدينا ٢٦ بنتًا على خشبة المسرح، يمثلن ويرقصن ولا تستطيع أن تفرق المسيحية عن المسلمة فيهن، حيث حررهن المسرح.

وهنا أتذكر أننى كنت أُخرج عرضًا فى أسيوط سنة ٩٩ ولم أجد ممثلة واحدة، واضطررت للاستعانة بـ٤ ممثلات من القاهرة، والأمر ينسحب أيضًا على الممثلين، فـ«ابدأ حلمك» هو محاولة لتأسيس الجماعة المسرحية بدلًا من المعاناة السابقة للمخرجين فى البحث عن الموهوبين فى المحافظات، فاليوم أى مخرج سيتصدى لإخراج عرض بأسيوط سيجد ٦٧ شابًا وشابة من الموهوبين ليختار منهم، والـ٦٧ سيفتحون آفاقًا لـ٦٠٠، فالكل شاهد الوزيرة تحضر عروضهم، وشاهدوا أبناء محافظاتهم على الشاشة فى «الدوم» مع يسرا ومروان حامد وليلى علوى، وهذا أثره كالسحر فى المحافظات.

والحقيقة أن أثر التدريب أكبر «فإنتى بتدربى حيطان المكان وبتعيدى تأهيل البيئة المحيطة والجمهور والعاملين فى القصور»، فالمسرح له سحره ويمكن أن يقوم بأدوار مختلفة فى التعليم وتنمية البشر، والعالم كله يستعين بالمسرح لهذا الغرض، فالذى لا نستطيع تحصيله فى التعليم إلا عبر ١٦ سنة، يمكن بناؤه عبر الفن فى مدى زمنى أقصر بكثير. 

فالمسرح بخلاف السينما والفن التشكيلى ممارسة، يمكن أن تنقذ شخصًا من الانتحار، لأنها مهنة كاشفة.. فالمسرح لعبة تعرّ وكشف عن مكنوناتك، والتعرى ليس سهلًا.. لكنه أمر فى غاية القسوة والجمال.. فأنت تلتحم إنسانيًا وتتداخل مع زملائك عبر التدريبات والأحداث اليومية. لكنها ممارسة خطرة جدًا أيضًا لو لم يمارسها متخصصون أمناء.. لأنها يمكن أيضًا أن تدفع شخصًا للانتحار بدلًا من أن تنقذه.