رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد كتابه «إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت فى مصر الحديثة».. «الدستور» تحاور الكاتب الأمريكى أندرو سايمون

 أندرو سايمون
أندرو سايمون

كان أندرو سايمون، المحاضر في جامعة "دارتموث" بالولايات المتحدة الأمريكية، المتخصص في الإعلام والثقافة الشعبية بالشرق الأوسط الحديث، مقيمًا بوسط البلد في القاهرة، وقت دراسته للغة العربية، فجذب انتباهه الخليط الفني والثقافي الشعبي المصري الذي راقبه واستمع إليه عبر أجهزة التسجيل الصوتية في السيارات والمقاهي ودور العرض السينمائية. 

كان "الكاسيت" عاملًا مشتركًا لافتا لـ"سايمون" أثناء دراسته للموسيقى الشعبية المصرية، لذا قرر تقصي تأثير هذه الصناعة في كتابه الأول الذي صدر حديثُا بعنوان " إعلام الجماهير: ثقافة الكاسيت في مصر الحديثة" عن مطبعة جامعة ستانفورد، أقدم المطابع الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية. 

تناول في الفصل الأول "البيع"، ويسلط الضوء على بداية ثقافة الكاسيت في مصر، وفي الفصل الثاني، وفي الفصل الثاني يقدم "السيرة الإجرامية" لتكنولوجيا "الكاسيت" والرغبة في خلق سوق سوداء مزدهرة لأجهزة تشغيل شرائط الكاسيت، و يقدم الفصل الثالث، التاريخ الثقافي للانفتاح الاقتصادي لـ "السادات"،  وفي الفصل الرابع يتناول "النسخ" ويدرس بداية القرصنة كممارسة شائعة، ويوضح كيف أصبح أي شخص لديه جهاز تسجيل موزعًا ثقافيًا، وفي الفصل الخامس يعيد النظر في رحلة ريتشارد نيكسون إلى مصر في عام 1974 ويكشف كيف أن إحدى الأغاني "نيكسون بابا"  تحدت "القصة الرسمية" للحدث للحكومة المصرية. 

الدستور تواصلت مع أندرو سايمون، وأجرت معه هذا الحوار: 

متى بدأت في العمل على كتابك "إعلام الجماهير"؟ 

"ميديا الجماهير" نتاج أكثر من عشر سنوات، من البحث في عام 2010-2011 كنت زميلًا في مركز دراسة اللغة العربية بالخارج في مصر، وخلال فترة إقامتي في وسط القاهرة  أدركت قوة الصوت وأهمية الثقافة الشعبية ثم بالعودة إلى الولايات المتحدة لاستكمال الدراسات العليا  أجريت بحثًا عن فنانين معينين، مثل الشيخ إمام، وأنواع موسيقية، مثل الموسيقى الشعبية، وفي وسط هذه المشاريع كان هناك خيط مشترك واحد: الكاسيت، لماذا؟ هذا سؤال شرعت في الإجابة عنه في مصر، حيث لم يُكتب تاريخ ثقافة الكاسيت في البلاد بعد.

 في "Media of the Masses"، استكشف كيف مكنت تكنولوجيا الكاسيت عددًا غير مسبوق من الناس لخلق ثقافة قبل وقت طويل من دخول الإنترنت حياتنا اليومية ومشاركة القصة غير العادية لثقافة الكاسيت في مصر لأول مرة.

ما الذي ألهمك فكرة الكتاب، وكيف ترى أهمية وقيمة الثقافة الشعبية المصرية ومكوناتها؟ 

الثقافة الشعبية هي شيء نستمتع به غالبًا كمصدر للترفيه ولكن نادرًا ما نتعامل معه كموضوع للدراسة الجادة. لطالما فاجأني هذا الاتجاه لأنه غالبًا ما يكون الإنتاج الثقافي من الأفلام والأغاني إلى البرامج التلفزيونية، هو الذي يشكل تصورات الناس للعالم من حولهم ومكانهم فيه.

 من المرة الأولى التي سافرت فيها إلى القاهرة في عام 2007، أسرتني الثقافة المصرية الشعبية، أصوات مقاطع الفيديو الموسيقية المتدفقة من المقاهي. 

عرضت دور السينما المزدحمة أحدث الأعمال الكوميدية، وبثت سيارات الأجرة كل شيء من موسيقى البوب ​​المحلية إلى الخطب الإسلامية إلى موسيقى الراب الغربية، ألهمتني كل هذه التجارب للتفكير بشكل أكثر نقدًا حول الثقافة الشعبية وكيف يمكن أن تغير فهمنا ليس فقط للحاضر ولكن أيضًا للماضي، وهو شيء استكشفه في "وسائل الإعلام الجماهيرية".

ما المصادر التي اعتمدت عليها في تنفيذ كتابك "إعلام الجماهير"؟ 

اعتمدت على مجموعة كبيرة من المواد السمعية والمرئية والنصية التي كانت جزءًا من الحياة اليومية في مصر، ولكنها نادرًا ما تظهر في الأرشيفات الرسمية. 

في قلب هذه المصادر توجد الصحافة الشعبية المصرية، أوليت اهتمامًا خاصًا لمجلتين أسبوعيتين، هما "روز اليوسف" و"آخر ساعة"، اللتان توفران نافذة رائعة على ماضي مصر الحديث، بالإضافة إلى استخدام المقالات الافتتاحية، والإعلانات، وتقارير الجرائم، والرسوم المتحركة، وأخبار المشاهير ، وقضايا المحاكم، وأعمدة الموضة، والرسائل الموجهة إلى المحررين في كلتا الدوريتين، استخدمت الأفلام والصحف الأجنبية والمذكرات والصور الشخصية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتسجيلات الكاسيت، وأشياء أخرى وجدت عددًا منها في صور الأزبكية بالقاهرة تشكل هذه المصادر معًا أساس هذا الاستكشاف في تقنية عادية - شريط الكاسيت - وتأثيرها غير العادي في مصر الحديثة.

هل التقيت تجار شرائط كاسيت أو منتجين وبائعين أثناء عملك على الكتاب؟ 

نعم، لقد أتيحت لي الفرصة للتحدث مع العديد من بائعي الكاسيت، بما في ذلك الأفراد الذين أسسوا فكرة ملصقات الكاسيت، والذين شاركوا قصصهم وذكرياتهم عن شرائط الكاسيت، ونشرت بعض هذه المحادثات في الكتاب، حيث استكشف أيضًا تسجيلات الكاسيت التي قد لا تزال موجودة في المتاجر وأكشاك الأرصفة وأسواق الشوارع والعديد من الأماكن الأخرى في مصر الحالية.

من المطربين الذين ترى أنهم شكلوا جزءًا مهما في الثقافة الشعبية المصرية وما الذي لفت انتباهك أثناء استماعك لأغنياتهم؟ 

أثناء عملي لما سيصبح "إعلام الجماهير"، كان من دواعي سروري الاستماع إلى العديد من المطربين المختلفين، من أحمد عدوية والشيخ إمام وعبد الحليم حافظ إلى أم كلثوم وعمرو دياب وليلى مراد ولدي أغنيتان شخصيتان مفضلتان هما "نيكسون بابا" لـ"إمام" و"زحمة يا دنيا زحمة" للعدوية. 

كما أنني استمعت إلى الكثير من فناني المهرجانات الذين اتهموا بـ"تلويث" و"إفساد" الذوق العام، شيء أناقشه في الكتاب وفي الواقع، هذه الانتقادات ليست جديدة في مصر إذ واجه المغنون الشعبيون هجمات مماثلة قبل عقود.

 في وقت لاحق من هذا العام، خططت لجعل مجموعتي الخاصة من أشرطة الكاسيت علنية في أرشيف رقمي حيث سيتمكن أي شخص في مصر أو خارجها من الاستماع إلى التسجيلات، والتي تتراوح من أشرطة مختلطة للهواة إلى الإنتاج الاحترافي وتعرض للجميع من مادونا، ومايكل جاكسون إلى موسيقى تصويرية للشيخ كشك وبوليوود إلى الشعر والخطب الرئاسية.

ما الذي جذبك خصيصًا لموسيقى الشيخ إمام وما مخرجات دراستك عنه؟

الشيخ إمام أثار فضولي لعدة أسباب، كان "الإمام" فنانًا ومعارضًا سياسيًا فقد بصره في سن مبكرة، وأصبح أيقونة لليسار العربي، وشهد انتعاشًا خلال الربيع العربي.

 في كتابي، استكشف كيف تحدى الإمام "القصص الرسمية" للحكومة المصرية للأحداث التاريخية الكبرى، مثل زيارة ريتشارد نيكسون لمصر في صيف عام 1974. 

كما يوضح الكتاب، قام الإمام بتأليف تاريخ مصر من جديد أمام جمهور كبير شرائط الكاسيت التي قام المستمعون بتسجيلها ونسخها وتداولها بعيدًا عن شركات التسجيل الاحترافية في مصر وخارج حدودها. 

لفت الانتباه في كتابك إلى تأثير التيارات الدينية في مصر: كيف ناقشت تأثير هذه المجموعات على سوق الكاسيت في مصر؟

في الكتاب، حاولت التقاط مدى تعقيد المشهد الصوتي في مصر، حيث سمع الناس كل شيء من موسيقى البوب ​​إلى الدعاة المشهورين. 

ومن الشخصيات الدينية التي أوردتها في الكتاب الشيخ عنتر سعيد مسلم، الذي فقد بصره مثل الشيخ إمام في سن مبكرة، لكنه واصل تلاوة القرآن، ووصل إلى جمهور أوسع على أشرطة الكاسيت في ذروة شعبيته، منع الأزهر الشيخ "عنتر" من تلاوة القرآن بحجة أن تلاواته الأصلية كانت بدعة غير مرحب بها.

 في "إعلام الجماهير" أشارك قصة الشيخ عنتر وجهود الأزهر في تشكيل الأصوات الإسلامية وقدرة أي شخص على التحدث باسم الإسلام بأشرطة الكاسيت. 

هل تعتقد أن مؤسسة الأزهر كانت تطمح إلى السيطرة أو تمكين نفسها للتحكم في ظهور أصوات معينة تتفق مع رؤيتها ومنهجها ومنعت آخرين؟ وهل برأيك كانت هناك مواجهة أو تحدٍ بين الطرفين، الأزهر والكاسيت باعتباره مؤسسة معنوية؟ 

أعتقد أن شرائط كاسيت بعدد لا يحصى من الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام، بما في ذلك الشيخ عنتر، الذي لا تزال تسجيلاته الصوتية موجودة ليس فقط على الأرض في مصر ولكن أيضًا على الإنترنت حيث تحافظ مواقع مثل YouTube على تلاواته القرآنية، تكشف عن ثقافة صوتية ديناميكية أثبتت استحالة لأية مؤسسة، بما في ذلك الأزهر  للسيطرة الكاملة. 

في الوقت نفسه، ظهر أفراد آخرون، مثل محمد محمود الطبلاوي، أحد قراء القرآن الرائدين في مصر على شرائط كاسيت أقرها الأزهر. بعد ذلك مكنت أشرطة الكاسيت أي شخص من الوصول إلى جمهور أوسع، بموافقة أو بدون موافقة حراس البوابات الدينية المحلية. 

صدر كتاب في مصر بعنوان "كشك وعدوية" للكاتب الدكتور محمد الباز، يقارن بين شهرة الشيخ كشك والمطرب أحمد عدوية؟ هل ناقشت هذه النقطة.. وهل لاحظت وجود تنافس أو صراع بين التيارات الدينية والمطربين في تجارة الكاسيت؟

الشيخ كشك لم يخجل أو يخشى من انتقاد من هم في مناصب السلطة، وأسس خطبه العاطفية بانتظام على الأحداث المعاصرة، وهو أحد الأصوات العديدة التي وردت في كتابي طوال سردي لفترات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وغالبًا ما ظهرت مسجلات الكاسيت جنبًا إلى جنب مع الواعظ الشهير في القاهرة، حيث ذهب الموظفون في مسجد "الملك" إلى حد تزويد المصلين بمنافذ كهربائية أكثر من معظم المساجد الأخرى حتى يتمكنوا من تسجيل خطب الشيخ كشك. وفي إحدى المرات، أخبر الشيخ كشك الحاضرين أن "عناصر الشرطة كانوا يجلسون بينهم ويسجلون ملاحظاته وهو يتظاهر بالصلاة".

وفيما يتعلق بأي تضارب محتمل بين المرجعيات الدينية والمطربين الشعبيين، فإن أحمد عدوية كان في الواقع موضوع إحدى خطب الشيخ كشك! وانتقد الشيخ كشك في خطبته "عدوية" ووصف أغنيته "الساح الداه أمبو" بأنها "لا طعم لها" كما "لا معنى لها"، ثم شجع الشيخ كشك الشباب المصري على دراسة الشعر بدلاً من أغاني العدوية "المبتذلة" واستنادًا إلى الشعبية الهائلة التي تتمتع بها "عدوية"، يمكن القول بثقة إن العديد من المصريين لم يستجيبوا لهذه الرسالة.

كيف أثرت تجارة الكاسيت على الإنتاج الثقافي والفني في مصر؟

سمحت شرائط الكاسيت لعدد غير مسبوق من الناس بأن يصبحوا منتجين ثقافيين، على عكس المستهلكين الثقافيين فقط، لأول مرة في تاريخ مصر الحديث. تمكن أي شخص من المساهمة في خلق الثقافة المصرية، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الطبقة أو التعليم أو الموقع، فإن تكنولوجيا الكاسيت قد أثرت بشكل لا نهائي المشهد الصوتي في مصر ووسعت بشكل جذري محيط الإنتاج الثقافي في وقت كان فيه الراديو مسيطرًا والدولة تسيطر عليه، وفناني النخبة يتمتعون بقوة كبيرة.

هل كانت أشرطة الكاسيت مصدر قلق للمجتمع المصري والنخبة المثقفة أو السلطات الدينية وهل شكلت أفقا جديدًا في اقتحام المجال العام من قبل طبقات نوعية متعددة التصنيف؟ 

من وجهة نظر المسئولين الدينيين المحليين والسلطات السياسية والحراس الثقافيين، غالبًا ما كانت أشرطة الكاسيت ومستخدميها مصدر قلق كبير من خلال تمكين أي شخص من تسجيل ما يرغب فيه ونقل هذه المواد إلى جمهور أوسع. ظهر هذا القلق بشكل خاص خلال حكم أنور السادات، عندما اتهم النقاد المصريون بانتظام مواطني الطبقة العاملة بـ"تلويث" الذوق العام وتقويض الثقافة الرفيعة وتعريض المجتمع المصري للخطر، نشهد اليوم اعتداءات مماثلة على مطربي المهرجانات من نقابة الموسيقيين ووزارة التربية والتعليم وحتى أعضاء مجلس النواب المصري. الشيء الوحيد الذي يتضح في الكتاب هو أن القلق الذي تولده أشرطة الكاسيت ومشغليها لم يكن مجرد مسألة حساسيات جمالية بل صراع على الثقافة المصرية ومن يجب أن يخلقها.

كيف ترى خصوصية مصر الثقافية والفكرية مقارنة بالدول الأخرى التي تعرفت على ثقافاتها؟

أرى مصر موطنًا ثانيًا، وأنا محظوظ لأن لدي العديد من الأصدقاء المقربين في مصر، والذين دائمًا ما يدهشني كرمهم ولطفهم وتعاطفهم ومرونتهم وروح الدعابة، بالنسبة للثقافة المصرية، تتمتع مصر بتاريخ طويل وحافل من كونها منتجًا ثقافيًا رائدًا في الشرق الأوسط. من البرامج الإذاعية إلى المسلسلات الرمضانية، والقصائد إلى الروايات، ومقاطع الفيديو الموسيقية إلى الأفلام، فإن الثقافة المصرية غنية بشكل لا يصدق، وهناك الكثير من القصص حولها وتاريخها التي لا يزال يجب سردها.

هل تتوقع أو تتمنى ترجمة كتابك للغة العربية؟ 

نعم، حلمي أن يترجم الكتاب إلى اللغة العربية. 

كتبت "إعلام الجماهير" لجمهور عريض وسيكون لي شرف قراءة الكتاب في مصر. أعتقد أن هذه القصة سيكون لها صدى لدى أي شخص مهتم بالموسيقى والإعلام والثقافة الشعبية وتاريخ مصر الحديثة.

كيف توصف علاقتك بمصر؟

زرت مصر عدة مرات، يحب والداي المزاح قائلين إنني أعرف القاهرة أفضل من "كونيتيكت"، حيث نشأت في الولايات المتحدة، آمل أن أعود إلى مصر في الخريف القادم.