رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روح الفراشة.. السيرة الخفية لـ«محمد على كلاى».. كيف عاش بعيدًا عن الحلبة؟

محمد على كلاى
محمد على كلاى

«أحلق كالفراشة وألدغ كالنحلة»، كان شعار الملاكم الأشهر فى العالم محمد على كلاى، الذى اشتق منه اسم كتابه «روح الفراشة»، الذى أملاه على ابنته «هنا»، وصدرت ترجمته عن دار «كتب خان» للنشر والتوزيع، من ترجمة الدكتورة هبة ربيع، ومراجعة وتحرير مريم مالك. وينتمى الكتاب لنوعية السير والتراجم، ويروى حياة أسطورة الملاكمة كاسيوس مارسيلوس كلاى جونيور، المعروف باسم «محمد على كلاى»، المولود فى عام ١٩٤٢ فى مدينة لويزفيل بولاية كنتاكى الأمريكية، لأسرة فقيرة من الزنوج الأمريكان، وبدأ مسيرته فى عالم الملاكمة خلال العام ١٩٥٤.

بأسلوب بسيط، سطّر «كلاى» رحلته فى عالم الملاكمة، التى جسد فيها معاناته من التميز العنصرى من الأمريكان البيض، ورغبته فى لعب الملاكمة لاعتقاده بأن الميدالية الذهبية التى سيحصل عليها ستجعله يعبر عن آرائه بحرية ويدخل الأماكن التى يُحرم السود من دخولها.

ويحوى كتاب «روح الفراشة» مجموعة من الآراء لشخصيات مثلت القدوة لـ«كلاى» فى مشواره، من بينهم مالكوم إكس، أحد رموز الدفاع عن حقوق السود، الذى وصفه بأنه «الرجل ذو الرؤية الثاقبة».

وكشف «كلاى» عن أنه كتب الشعر لأول مرة عند منافسة الملاكم الكبير «أرتشى مور»، مستعينًا فى طيات كتابه ببعض المختارات من قصائده التى يتداولها كثيرون حاليًا على مواقع التواصل الاجتماعى. 

وعن نشأته وعلاقته بالملاكمة، أوضح «كلاى» أنه دخل هذا العالم لاعتقاده بأنه سيدافع عن السود من خلاله ويتمتع بالحرية، قائلًا: «أردت أن أظهر للبيض ألا يعاملوا الناس السود معاملة الدرجة الثانية، وكانت مهمتى وغايتى هى تعليم الناس أن يحترموا بعضهم البعض».

وأشار إلى أنه تقدم فى صغره، أثناء دراسته بالمرحلة الإعدادية، بطلب للحصول على وظيفة تنظيف السبورات والمكاتب والقيام بأعمال يدوية فى كلية «سبالدينج» فى مدينة لويفيل الأمريكية، ليكسب من خلال ذلك بضعة دولارات.

وروى الحادثة التى غيّرت حياته للأبد فى شتاء عام ١٩٥٤، عندما سُرقت دراجته، ووجد نفسه، أثناء البحث عنها والبكاء، فى صالة ملاكمة، وقال له المدرب حينها: «لا بد أن تتعلم الملاكمة حتى تستطيع أن تضرب مَن سرق دراجتك»، وهو ما دفعه للانضمام إلى الصالة للتدريب. وتحدث «كلاى» عن رهبته الشديدة خلال لقائه الأول بحلبات الملاكمة، وهو فى الـ١٢ من عمره، ونجاحه فى التفوق على لاعب أبيض، لمساعدة والده، وهو ما جعل الأطفال يطلقون عليه لقب «ملك الشارع»، لتبدأ بعدها رحلته الأسطورية، التى لعب فيها ١٠٨ مباريات للهواة وهو فى سن الـ١٨، مع الفوز بعدها ٦ مرات ببطولة كنتاكى للقفاز الذهبى، والفوز دورتين بالقفاز الذهبى على المستوى الوطنى، والحصول على لقب اتحاد الرياضيين الهواة مرتين، وصولًا إلى الفوز بالألقاب العالمية.

وتناول «كلاى» فى «روح الفراشة» معاناته من التمييز العنصرى والاضطهاد، قائلًا: «عانيت كثيرًا من ظلم التمييز العنصرى من حولى، فقد كانت هناك لافتات معلقة على أبواب المطاعم تقول (للبيض فقط)، و(غير مسموح للملونين)، وكان لا يمكن للسود الشرب إلا من نافورات المياه، واستخدام دورات المياه المكتوب عليها (للملونين). وأضاف: «كانت لدىّ مشكلة مع الأطفال البيض لأنهم كانوا ينادوننى بـ(الزنجى)، ويطلبون منى مغادرة أماكن معينة، وكنا مواطنين درجة ثانية، وأتذكر دائمًا كوب الماء الذى طلبته والدتى من أحد الرجال لكنه أغلق الباب فى وجهها ورفض مساعدتها».

وأوضح أن هذه الأوضاع كانت السبب الذى دعاه إلى رفض المشاركة فى الحرب الأمريكية فى فيتنام، وقال وقتها إنه لا خصام بينه وبين القوات الفيتنامية «الفيتكونج»، لأنهم لا ينادونه بـ«الزنجى»، وهو ما أدى لسحب لقب بطل العالم فى الملاكمة منه، بالإضافة إلى تعرضه للاضطهاد، وسلب حقوقه، وهو ما تقبله بهدوء.

وأشار أسطورة الملاكمة إلى أنه تعلم تخصيص وقت كافٍ لمعجبيه من موقف مر به، عندما تعرض فى سن الـ١٨ للخذلان بعدما انتظر ساعات للقاء لاعبه المفضل فى الملاكمة شوجر راى روبنسون، الذى قال له حين طلب توقيعه: «لاحقًا يا فتى.. إننى مشغول الآن».

وتناول كتاب «روح الفراشة» كذلك بعض المواقف المؤثرة فى حياة «كلاى»، ومنها انضمامه إلى حركة «أمة الإسلام»، التى قاتل عبرها من أجل الكرامة والمساوات للسود، واعتنق عبرها الدين الإسلامى وغيّر اسمه من كاسيوس إلى محمد على.

ومن ضمن المواقف التى تحدث عنها «كلاى» فى كتابه، مقابلته الرئيس الأمريكى جيرالد فورد فى عام ١٩٧٦ فى البيت الأبيض، وقوله إليه مازحًا: «إننى أسعى للحصول على وظيفتك»، وهو ما اعتبره البعض إبداءً لرغبته فى الوصول للسلطة.

وتطرق أيضًا إلى مباراته الأخيرة فى الملاكمة فى عام ١٩٨١، بعد محاولات سابقة للاعتزال، وقال حينها: «إن السن الحقيقية تعنى سيطرة العقل على الأمور». 

وأجاب «كلاى» فى كتابه عن السؤال الذى وجه إليه مرارًا، وهو: ماذا تفعل بعد اعتزال الملاكمة؟، وقال: كنت أقول لمن يسأل: «أنتم لم تروا محمد على الحقيقى، لقد رأيتم فقط القليل من الملاكمة والقليل من مهارة الأداء، وبعدما اعتزلت الملاكمة بدأ عملى الحقيقى وأصبح لدىّ مزيد من الوقت لتنمية كيانى الروحى بنفس الطريقة التى كنت أنمى بها عضلاتى ورشاقتى».

وفى نهاية الكتاب، تحدث أسطورة الملاكمة عن علاقته بزوجاته وأبنائه، موضحًا أنه تزوج ٤ مرات، وأنجب ٩ أبناء، لكنه لم يكن قريبًا منهم أثناء مرحلة طفولتهم، وإن احتفظ بمئات شرائط الفيديو والكاسيت، التى تحمل أصوات أبنائه وصورهم.

وتوفى محمد على كلاى فى يوم ٣ يونيو ٢٠١٦، عن عمر ناهز ٧٤ عامًا، بعد صراع طويل مع مرض الشلل الرعاش، وأوصى فى كتابه بنقش عبارة زعيم الأمريكان السود «مارتن لوثر كينج» على قبره، التى قال فيها: «حاولت أن أحب أحدًا وأن أحب الإنسانية وأخدمها.. حاولت فعلًا أن أطعم الجياع وأكسو العراة».