رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المستريحين».. تاريخ من «تخريب الإخوان» وتقصير البنوك

شغلت ظاهرة ما يسمى بـ«المستريحين» الرأى العام على مدى الأيام الماضية إثر تفجر مجموعة من حوادث النصب على المواطنين تحت ستار توظيف أموالهم بعائدات شهرية كبيرة.. وكان اللافت للنظر أن كل هؤلاء النصابين فعلوا فى ٢٠٢٢ نفس ما فعله الجيل الأول من «المستريحين» فى نهاية السبعينيات حرفيًا، حيث استخدم كلا الجيلين فكرة البركة الدينية للمال وتحريم فوائد البنوك والترويج لفكرة «المرابحة الإسلامية» التى تفوق العوائد التى تقدمها البنوك.. مع ملاحظة أن كل واحد من هؤلاء النصابين يقدم طبعة دينية تناسب الزمن الذى يعيشه ومزاج الناس فى التدين وقت ظهوره والتيار الدينى الذى تسمح له الدولة بالتواجد فى الفترة التى يظهر فيها.. فالمتهم الأخير بالنصب فى أسوان الذى يدعى «مصطفى البنك» كان يقول للمودعين إن السيدة زينب- رضى الله عنها- منحته بركتها، فى مجاراة لمزاج التصوف الشعبى الذى يسود صعيد مصر وفى مجاراة لعدم قلق الأجهزة الرسمية من الأنشطة الصوفية الطرقية باعتبارها تسلك مسلكًا بعيدًا عن العنف والصراع السياسى.. والمتهم الثانى بالنصب فى نفس المحافظة كان يصطحب معه داعية سلفيًا يتداول الناس صورته وأظن أنه فى هذا أيضًا كان يستغل عدم قلق أجهزة الدولة من بعض دعاة السلفية الذين يتظاهرون بتأييد الدولة أو عدم الاهتمام بالشأن السياسى بشكل عام.. وإذا عدنا للماضى سنجد أن الجيل الأول من أصحاب شركات توظيف الأموال المسماة بـ«الإسلامية» نشأ على خلفية الصفقة مع جماعة الإخوان المسلمين عقب حرب أكتوبر، وعلى خلفية فتاوى تحريم فوائد البنوك التى روج لها داعية شهير، وعلى خلفية موضة أسلمة العلوم التى أفرزت ما سمى بـ«الاقتصاد الإسلامى» وهو علم كاذب وزائف.. وقد جارى النصابون الذين ركبوا هذه الموجة أيضًا المزاج الدينى السائد وما تسمح به الدولة للحركات الإسلامية فى توقيت ظهورهم.. فأحمد الريان صاحب كبرى شركات التوظيف كان أميرًا للجماعة الإسلامية فى كلية الطب البيطرى قبل اغتيال السادات.. «بلغ مجموع الإيداعات فى شركته ٣٫٢ مليار جنيه بأسعار الثمانينيات» وشريكه أشرف السعد كان عضوًا بارزًا فى جماعة «التبليغ والدعوة» وقد ساعد الانتماء التنظيمى كلًا منهما على تكوين شبكات عمل وعلاقات مستندة إلى الثقة والمعرفة الوثيقة فى المرحلة الأولى وهى مرحلة تجارة العملة وفى المرحلة الثانية وهى توظيف الأموال.. وفى الخلفية كانت جماعة الإخوان المسلمين التى كانت المالك الحقيقى لهذه الشركات، حيث يروى أشرف السعد فى مذكراته أن الحاج أحمد عبيد نائب مرشد الإخوان ومدير شركات عبداللطيف الشريف هو الذى حوله وصديقه الريان من صبيين لتجارة العملة فى مطعم «رضوان» لتاجرى عملة كبيرين بعد أن منحهما رأس المال اللازم «نصف مليون جنيه» بأسعار السبعينيات وطلب منهما جمع أكبر قدر ممكن من الدولارات من السوق السوداء!! لحساب الجماعة بالطبع.. التفاصيل فى هذا المجال كثيرة ومخجلة، حيث كان إمبراطور العملة الإخوانى «سامى على حسن» مقصد الوزراء وكبار مسئولى الدولة يطلبون رضاه ويرجون منه توفير الدولارات اللازمة لشراء مستلزمات الإنتاج فى مصانع القطاع العام أو لتدبير ثمن الطعام والقمح اللازمين لوزارة التموين.. كانت هذه فترة مظلمة لا بد من دراستها لنعرف مدى الخراب الذى أحدثته هذه الجماعة فى الاقتصاد المصرى، ومدى الضعف وعدم الكفاءة اللذين أدارت بهما الدولة ملف العلاقة مع الجماعة فى السبعينيات وما تلاها من عقود.. وإلى جانب الواجهات الإسلامية من جماعات حليفة للإخوان وتابعة لها، كانت هناك شركات الإخوان أنفسهم وأشهرها شركة عبداللطيف الشريف وهو إخوانى أبًا عن جد وشركة الحجاز لتوظيف الأموال وقد أسسها مسئول الشئون المالية فى الإخوان «أحمد عبيد» مع رجل الأعمال الإخوانى «محمد عليوة» صهر حسن مالك الذى انتقلت له مع خيرت الشاطر مسئولية استثمار أموال الإخوان فحولاها إلى مئات المليارات فى زمن مبارك.. التفاصيل فى هذا المجال كثيرة جدًا جدًا ولا يتسع المجال لذكرها لكننى أقول إنه خلال ستين عامًا من عمر ظاهرة النصب باسم الدين وتخريب الاقتصاد الوطنى كان هناك عاملان مشتركان هما «نشاط الإخوان التخريبى والمنافس للدولة» وتقصير الدولة نفسها وتواطؤ بعض مسئوليها.. وفى ٢٠٢٢ فإننى أتهم البنوك بالتقصير وعدم تطبيق الشمول المالى وعدم الوصول للقرى وللمواطنين البسطاء من خلال مندوبين يتحدثون لغة المواطن ويقنعونه بإيداع أمواله فى البنوك وفائدة ذلك له.. بالعكس البنوك أرهقت المواطنين الراغبين فى شراء الشهادات مؤخرًا ويتعامل موظفوها مع الناس أحيانًا بتعال وبدون نِفس لأنهم موظفون وليسوا أصحاب عقيدة تدفعهم لخدمة الاقتصاد الوطنى.. هناك تقصير فى عمل البنوك أو عدم رغبة فى تلقى المزيد من الودائع وهذا هو الباب الذى يدخل منه النصابون.. لا خلل بدون تقصير.. وهناك تقصير تجب مراجعته وتداركه وإلا فإن الظاهرة ستستمر.