رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسرحيات صنعت فرحة المصريين فى العيد

شاهد ماشافش حاجة
شاهد ماشافش حاجة

على مدار العقود الماضية ارتبطت الأعياد المصرية بعرض المسرحيات الكوميدية الجديدة على شاشة التليفزيون، وكان أبرزها مسرحيات «شاهد ماشافش حاجة»، و«العيال كبرت»، و«ريا وسكينة»، و«سك على بناتك»، وغيرها، ما خلق ارتباطًا بين الأعياد والمسرح، وذكريات طفولة لا يسهل نسيانها، الأمر الذى يستدعى تحليل أسباب هذا الارتباط بين العيد والمسرح، ورؤية عدد من المسرحيين والنقاد لأسباب غياب المسرح الكوميدى فى الوقت الحالى. 

عن ارتباط العيد بعرض المسرحيات الكوميدية، قال الدكتور سيد على، مؤرخ المسرح المصرى وأستاذ المسرح، إن ظاهرة مسرحيات العيد بدأت فى سبعينيات القرن الماضى، وظهرت قبل وقت من ظهور التليفزيون الملون والفضائيات.

وأضاف: «عايشت هذه الفترة وكنت وقتها فى المرحلة الإعدادية، وأتذكر أن أهم مسرحية فى هذا الوقت كانت (مدرسة المشاغبين)، وكانوا عادة ما يعلنون فى التليفزيون عن أنها ستعرض خلال أيام العيد قبل ذلك بفترة، ووقتها كان جميع أفراد الأسرة يجلسون فى البيوت أمام التليفزيون لمشاهدة المسرحية، التى عادة ما تكون جديدة ومشهورة ولم تُعرض من قبل، حتى أصبح ذلك جزءًا من بهجة العيد».

وتابع: «تطورت المسألة حتى أصبحت تقليدًا مهمًا، مع عرض ٣ مسرحيات لم تعرض من قبل خلال أيام العيد، لكن عندما جاء زمن الفيديو اختلفت الأمور، بعدما أصبح بالإمكان شراء فيديو المسرحية ومشاهدته فى أى وقت».

واستطرد: «عندما عرضت مسرحية (شاهد ماشافش حاجة) على المسرح كانت تذكرتها مرتفعة القيمة، ولم يكن شراؤها فى مقدور كثيرين، لكن حين أصبحت متاحة على شريط فيديو يتم تأجيره أصبحت الأمور أسهل، وأتذكر أنى شاهدتها عند أحد زملائى أثناء دراستى بالجامعة، وهو ما توسع بعد ذلك وأصبح من الممكن أن يشاهد الجمهور كل ما يريد فى أى وقت من خلال الإنترنت».

وعن ارتباط العيد بمسرحيات بعينها، قال الكاتب والناقد المسرحى باسم صادق إن الاحتفال بالعيد ارتبط فى وجدان المصريين ارتباطًا وثيقًا بعدد من الأعمال المسرحية الفارقة فى تاريخ الحركة المسرحية الكوميدية، ليس فى مصر فقط ولكن فى الوطن العربى بأكمله، حتى إن تلك الأعمال صارت أيقونات يجرى الاحتفاء بها وتدارسها فى كيفية صناعة الكوميديا، شكلًا ومضمونًا.

وأضاف: «اللافت أن من بين تلك المسرحيات ما تم إنتاجه فى بداية سبعينيات القرن الماضى، إلا أن الأجيال توارثتها جيلًا بعد جيل، بسبب موضوعاتها التى تهم كل أسرة مصرية وعربية، خاصة تلك التى عالجت موضوعات التعليم وتربية النشء مثل مسرحية (مدرسة المشاغبين)، أو التى عالجت فكرة التفكك الأسرى مثل مسرحية (العيال كبرت)».

وتابع: «انضمت إلى تلك الأعمال مسرحية (سك على بناتك)، التى طرحت قضية تربية البنات بمختلف شخصياتهن وطموحاتهن وتطلعاتهن، فى تناول كوميدى رفيع المستوى لا يخدش حياء أحد».

واستطرد: «فى ظنى أن السبب الرئيسى فى استمرارية مثل تلك العروض وارتباطها بالأسرة حتى يومنا هذا هو قدرتها على الجمع بين أفكار وقضايا تمس كل شرائح الجمهور، وتقديمها وفق رؤى كوميدية، تعتمد بالأساس على المفارقات وسوء الفهم، وكل عناصر صناعة الكوميديا المدروسة بعناية، للدرجة التى تجعلها محفورة فى الذاكرة الجمعية لسنوات طويلة، بعيدًا عن الإفيهات اللحظية المستهلكة والمستدرة لضحك الجمهور بلا طائل». وأكمل «صادق»: «لذلك أصبح هناك العديد من المسرحيات التى صارت مشاهدتها طقسًا أساسيًا من طقوس الأسرة فى مصر والوطن العربى خلال أيام العيد، وكلها أعمال ما زلنا نحرص على مشاهدتها لارتباطها بذكريات الطفولة من جهة، ونظرًا لقدرتها على جذب اهتمامنا كمتخصصين نبحث فيها عن دلالات درامية متجددة مع كل مشهد من جهة أخرى».

فيما قال الناقد والمخرج جمال عبدالناصر إن العيد ارتبط بالمسرح، خاصة أن الجمهور كان يرتاد المسارح خلال فترة الأعياد لمشاهدة العروض المسرحية، أو حتى يكتفى بمتابعة المسرحيات على شاشة التليفزيون، وهو ما اختفى فى الوقت الحالى بسبب تعدد القنوات والمنصات، بالإضافة إلى ضعف المسرح بشكل عام، واختفاء معظم الفرق، ربما باستثناء فرقة الفنان محمد صبحى المسرحية.

وأضاف: «كانت لدينا حوالى ١٥ مسرحية ارتبطت بالجمهور، وشكلت جزءًا من ذكريات الشعبين المصرى والعربى، حتى أصبحت فرحة العيد لا تكتمل إلا بمشاهدة تلك المسرحيات، التى كانت دائمًا على مائدة القنوات الفضائية فى الأعياد».

وتابع: «بشكل شخصى ارتبط العيد بالمسرح، وأتذكر أن مسرحية (الجوكر)، للفنان محمد صبحى، دائمًا ما تذكرنى بأجواء العيد مع الأسرة، كما أتذكر أنى شاهدت مسرحية (ريا وسكينة) على خشبة المسرح فى العيد مع أسرتى».

أما الفنان أيمن إسماعيل فقال إن المسرح ارتبط فى ذهنه بأيام العيد، قائلًا: «من أهم ذكريات الطفولة أنى حضرت عرض مسرحية (البغبغان)، من بطولة الفنان محمد صبحى وإخراج جلال الشرقاوى، وكنت أبلغ من العمر ١٤ سنة».

وأضاف: «تمنيت يومها أن أقف على نفس المسرح كممثل، وهو ما تحقق بعد ذلك، وعملت على نفس المسرح، وشاركت فى ٣ عروض من إخراج جلال الشرقاوى، وهى (قصة الحى الغربى) و(دستور يا أسيادنا) و(قشطة وعسل)».

وعن أحوال المسرح الكوميدى الآن، قال المخرج تامر كرم إن المسرح عمومًا يعانى من مشكلة كبيرة جدًا، سواء على مستوى المسرح عمومًا أو على مستوى مسرح القطاع الخاص.

وأضاف: «الدولة تكافح وتحارب من أجل المسرح، لكن فى النهاية يعانى المسرح من غياب الإقبال الجماهيرى، مع انتشار المنافسة من الدول الخليجية التى تحاول جذب النجوم المصريين لعرض مسرحياتهم لديها، لذا لا بد أن تقدم الدولة دعمًا أكبر للنهوض بالحركة المسرحية، لأن المسرح مهم جدًا لكونه يقدم للجمهور جرعة ثقافية وفنية واجتماعية، وهناك تقصير فى العمل على هذا الملف، الذى يحتاج إلى المساعدة لإعادة الجمهور للمسرح».

وتابع: «المسرح مهم لأنه يحقق التوازن النفسى، كما أن المسرح الكوميدى فى مصر يعتمد على إعطاء جرعة ترفيهية للمشاهد، لأن الضحك شىء عظيم، خاصة عندما يقدم فى كوميديا غير مبتذلة».

وعن رأى الجمهور فى الارتباط بين العيد والمسرح، قالت آية أبوالفتوح إن أحدًا لا يستطيع إنكار دور الفن فى المجتمع، ولا مشاركته فى كل المناسبات والأعياد، مؤكدة أن مواسم الأعياد عادة ما ارتبطت بمجموعة من المسرحيات التى ينتظرها الجميع ويجلس لمشاهدتها جميع أفراد الأسرة من جميع الأعمار.

وأضافت: «يتجمع الكبار والصغار أمام مسرحية مثل (العيال كبرت) ويشاهدونها كأنها المرة الأولى، وتردد ألسنتهم نفس الجمل بمذاق مختلف فى كل مرة، وسرعان ما تنتهى مسرحية ليبحث الجميع عن غيرها، ويشاهدون أعمال الزعيم عادل إمام والأستاذ فؤاد المهندس وغيرهما». 

فيما قال عمرو سليمان: «فى الماضى كان لدينا مسرح حقيقى وتنافس فنى كبير بين الفنانين وكتّاب النصوص المسرحية، وكأن الجميع فى سباق لإمتاع الجمهور، وكانت لدينا مسرحية لعادل إمام وأخرى لسمير غانم، وواحدة لسعيد صالح وأخرى لفؤاد المهندس، وبعدها مسرحيات لممثلين مثل أحمد آدم، وفنانين آخرين من مختلف الأعمار والمدارس الفنية، وكانت واجهات المسارح تنير بالأفيشات، والإعلانات عن العروض تملأ جميع الجرائد والمجلات».

وأضاف: «كنا جميعًا ننتظر فى العيد عروض مسرحيات (سيدتى الجميلة) و(شاهد ماشافش حاجة) و(مدرسة المشاغبين) و(هاللو شلبى) و(ريا وسكينة»، ونجتمع جميعًا أمام التليفزيون لمشاهدة المسرحية، وكان أخى الأكبر، رحمه الله، يجهز شريط كاسيت ليسجل المسرحيات التى تعرض لأول مرة، وكانت السهرة العائلية ترتبط بالمسرح والضحك، وعادة ما كنا نجلس معًا بعد انتهاء المسرحية لنستمع إليها مرة أخرى على شريط الكاسيت ونسترجع المشاهد المضحكة فى أذهاننا، فى حالة من الدفء حُرمنا منها للأسف حاليًا».