رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار يواصل كشف المستور

مشهد زيارة الشاطر لوزير الدفاع يعبر عن طمع الإخوان فى مصر ورؤيتهم لأنفسهم كـ«أمانة سياسات» ترتدى الجلباب 

 وصف وزير الدفاع الإخوان بـ«الجوع» يوضح إدراكه أطماع الإخوان من أول لحظة ورفضه الغداء معهم يعنى رفض الشراكة فى نهب المصريين 

أقوال خيرت الشاطر فى الاجتماع المسجل ربما يكون هدفها خداع الأجهزة المعنية وإخفاء حقيقته.. لكن الثعلب لا يخدع الأسد!

أحد أوهام الإخوان محاولتهم رسم صورة أسطورية لمحمد مرسى فى حين أنه كان واجهة لمكتب الإرشاد والأحداث كانت ستتم به أو بغيره

أهم ما فى مسلسل «الاختيار» أنه يُجرى تنشيطًا للذاكرة.. يجعلنا نتذكر الأحداث ويلقى أضواء بعيدة تساعد على تفسير هذه الأحداث.. والجزء الأهم فيه هو الجزء التوثيقى.. تسجيلات تذاع لأول مرة.. تساعدك فى بناء رواية أخرى غير الرواية التى نسجها الإخوان وروجوها خلال أكثر من سبعين سنة من عمر مصر.. رواية خيالية مليئة بالمظلومية والتضحيات والمعاناة.. رواية كاذبة.. وخيالية تمامًا.. لكنها أفادتهم واجتذبت تعاطف الناس ومن خلالها أصبحوا ملوك الشارع منذ السبعينيات حتى يونيو ٢٠١٣.. عزلوا المسئولين فى مكاتبهم وتركوا لهم قمة الجبل واستولوا هم على السفح.. لذلك يزعجهم جدًا أن تنكشف روايتهم وأن يعرف الناس التاريخ الحقيقى مدعمًا بالمعلومات أو بالتسجيلات.. أهم مشهد فى حلقة الاختيار الثالثة هو المشهد الذى يذهب فيه خيرت الشاطر للقاء وزير الدفاع الفريق «فى ذلك التوقيت» عبدالفتاح السيسى، بحضور مدير مكتبه اللواء عباس كامل.. إنه لقاء يختصر تصور الإخوان لحكم مصر.. أن يكونوا أمانة سياسات بديلة ولكن باللحية والجلباب، وأن يواصلوا التعامل مع مصر كفرصة تجارية لا كدولة تحلم بالنهضة وتستحقها.. طالما اعتبر خيرت الشاطر نفسه بديلًا لأحمد عز.. ومنافسًا له.. بل إنه أوحى لصحيفة «الدستور» أثناء رئاسة الزميل إبراهيم عيسى لها فى عام ٢٠٠٧ أن تعقد مقارنة بينه وبين أحمد عز وتنتهى فيها، إلى أنه يفوق أحمد عز فى كل شىء!! ورغم أن كليهما ارتكب كوارث سياسية أدت لقيام ثورتى يناير ويونيو، إلا أن أحمد عز رجل صناعة ناجح، فى حين أن أنجح مشروع لخيرت الشاطر كان سلسلة محلات بقالة لم يكتب له النجاح.. فى هذا اللقاء يعرض خيرت الشاطر تصور الإخوان لحكم مصر.. أن يكونوا تكرارًا باهتًا لتجربة العدالة والتنمية فى تركيا.. إسلاميون فى خدمة الليبرالية الجديدة، كما أشار الباحث الاقتصادى وائل جمال فى دراسة له.. إسلاميون باعوا لأمريكا وهم القدرة على استيعاب متطرفى القاعدة وحماس مقابل حمايتها لهم.. ودمجها لأموالهم فى الاقتصاد العالمى.. لم يتعرض «الاختيار» لشريك خيرت الشاطر أو الواجهة الأكثر أناقة له حسن مالك الذى أسس جمعية بداية لرجال الأعمال وكان يخطط لتكويش الإخوان على الاقتصاد المصرى فى أقل وقت ممكن.. روى لى واحد من كبار رجال الأعمال أنه قبل شهر من ٣٠ يونيو تلقى اتصالًا من رجل أعمال إخوانى يطلب زيارته فى مكتبه وحين زاره قدم له عرضًا لشراء جامعة خاصة كبيرة مملوكة له بمبلغ مئة وثمانين مليون جنيه وهو ثمن بخس جدًا بالنسبة لقيمة الجامعة والأراضى المقامة عليها.. روى لى رجل الأعمال أنه لم يجد أمامه سوى التأجيل بحجة التفكير مرة ثم بحجة عرض الأمر على أبنائه مرة، ثم على شركائه مرة.. وقبل موعد انتهاء المهلة الأخيرة سقط حكم الإخوان.. هكذا ببساطة.. فالجميع كانوا يسابقون الزمن.. الإخوان يسعون للأخونة والتمكين بأقصى سرعة.. والمصريون يعرفون أن الأمر ليس فى صالح أحد وأن الكابوس لابد أن ينتهى.. فى كلا التصورين لمستقبل مصر «تصور التوريث وتصور الإخوان» كانت هناك طريقة تفكير فاسدة تسىء الظن بالجيش المصرى.. وتظن أنه من الممكن إفساد قياداته بإلقاء بعض الفتات لهم.. أو تقديم رشاوى ما بصيغ مختلفة.. لكن الوقائع أثبتت أن هذا وهم كبير وأن رجال الجيش المصرى شرفاء متجردون وأن نظرتهم للعمل العام هى أقرب لتأدية الرسالة الوطنية والاستجابة لنداء الواجب.. أما رد وزير الدفاع على الشاطر فهو رد بليغ جدًا.. لقد فهم حقيقته ووصفه بأنه «جائع» ورفض الغداء معه لأنه رفض فكرة الشراكة بين العسكرية المصرية والباحثين عن المال وقال إنه يفضل الغداء مع رجاله والمعنى واضح.. 

ثعلب يمكر على أسد 

لا أعلم بكل تأكيد ملابسات تسجيل اجتماع محمد بديع وخيرت الشاطر ومحمد مرسى.. التصريحات التى قيلت فيه خطيرة وهى بكل تأكيد تدين الإخوان.. لكننى كمحلل سياسى أقول إن خيرت الشاطر كان يضع احتمالًا لأن الاجتماع مسجل.. وكان يرسل رسائل للأجهزة المعنية، وأظن أن هذا لم يخف على المختصين لكنهم رأوا أنه لا مانع من فضحه وتجريسه على طريقة «من فمك أدينك»، ويمكنك أن تقول إنه كان يتذاكى.. فهو فى الحلقة الأولى يرسل رسالة تهديد قائلًا إنه يستطيع أن يأمر مليون شخص بحرق المقرات الأمنية لكنه لن يفعل ذلك ويفضل التهدئة!!، وفى الحلقة الثالثة يتحدث عن أنه يزرع جواسيس فى أوساط السلفيين ويبلغ الأمن فى حالة وصوله لأى معلومة.. وهى حجة يمكن أن يقدمها لمن يسأله عن علاقاته التى توطدت بالإرهابيين السابقين مثل عاصم عبدالماجد وطارق الزمر، والأقاويل عن تمويله لهم هم وأتباعهم لإرهاب المصريين.. وهو نفس ما ينطبق على حديثه عن قناة الجزيرة وكونها إحدى أهم أدوات الفوضى الخلاقة.. إنه يتحدث وكأنه ليس شريكًا فى الفوضى الخلاقة.. يتحدث على طريقة «أنا موش معاهم يا باشا»!.. والحقيقة أن العلاقات بين الطرفين أعمق من هذا بكثير جدًا رغم الاختلافات فى بعض التفاصيل بين الطرفين.

مرسي الذي لم يأت 

أذكى ما فعله صناع المسلسل أنهم قدموا الحقيقة كما هى.. فالرئيس محمد مرسى هو عابر على الأحداث، والصراع لم يكن معه لأنه مجرد أداة للجماعة أو ذراع لها.. نفس السيناريو كان يمكن أن يحدث لو كان اسم الرئيس الإخوانى محمد حسن أو سيد مرسى أو سعد الكتاتنى.. إلخ.. لقد كان دور الرجل أن يكون واجهة لخيرت الشاطر والمجموعة المتحكمة فى الإخوان وقد ترشح فى اللحظة الأخيرة بعد رفض ترشيح الشاطر، وهو ما دفع الكثيرين وقتها لأن يصفوه بـ«الاستبن» والمعنى أنه ليس لاعبًا رئيسيًا فى أى شىء.. جزء من السردية الإخوانية المصنوعة هى استغلال حادثة قدرية مثل وفاة شخص فى تحويله إلى أسطورة ومنح وجوده فى الاتحادية معنى لم يكن موجودًا على الإطلاق.. الرجل بين يدى خالقه لكن هذا لا ينفى أنه كان رجلًا خاليًا من أى موهبة، يشبه فقهاء الكتاتيب، ويشى خطابه بمحدودية كبيرة فى الذكاء والقدرات.. ولعل هذه هى الصفات التى دفعت خيرت الشاطر لترشيحه والوقوف وراءه.. فلو كان يملك صفات أخرى لرأى فيه منافسًا له وربما طارده حتى يخرجه من الجماعة.. جزء من مأساة الإخوان أنهم يعيشون فى الخيال ويحاولون تقديم محمد مرسى على أنه كان صانعًا للأحداث أو أنه رفض كذا أو وافق على كذا.. وإن كان من المؤكد أنه صمم على أن يبقى ألعوبة فى يد الجماعة على أن يكون رئيسًا للمصريين جميعًا ورجل دولة بالمعنى الصحيح وقد لاقى جزاء اختياره. 

القتلة يحتفلون بالنصر 

من المشاهد الهامة جدًا مشهد احتفال الإخوان بنصر أكتوبر فى استاد القاهرة، حيث شارك فى الاحتفال قتلة الرئيس السادات من آل الزمر وأعضاء الجماعة الإسلامية بشكل عام.. ولم يدع قادة القوات المسلحة للاحتفال بالنصر الذى قدموا فيه دماءهم.. وأظن أن هذه كانت أكبر عملية سطو تاريخى قام بها الإخوان بعد سرقتهم ثورة يناير نفسها وانتحال شرعيتها للوصول إلى الحكم، رغم أنهم لم يشاركوا فيها إلا بعدما أدركوا أن نظام مبارك لن يستمر.. وأظن أن دعوة الإخوان لقتلة السادات كى يحتفلوا بنصر أكتوبر كانت بداية العد التنازلى لحكم الإخوان.. فقد كان مؤشرًا على أنهم لم يأتوا ليتعايشوا مع الواقع القائم ولا حتى ليغيروه بالتدريج ولكن ليسرقوه ويشوهوا ملامحه ويدّعوا ملكيتهم للوطن بأثر رجعى.. ومن هنا كانت نقطة النهاية.

1
1
عباس كامل
عباس كامل