رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معارضة بالأجر.. وثيقة تكشف أسرار تناقض "الإخوان" في التعامل مع الجماعات المسلحة

أرشيفية
أرشيفية

 كشف صلاح الصاوي مفتي الإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية، سياسة الجماعة في التعامل مع العمليات الإرهابية التي تنفذها الفصائل المسلحة المنتمية لما يسمى التيار الإسلامي، وأوضح أن "مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية، ويظهر النكير عليها آخرون".

                              

وأوضح مفتي الإخوان بأمريكا وأمين عام مجمع فقهاء الشريعة، أنه إذا كان هناك بد من الإدانة فلابد أن تُلقى في ملعب الدولة وإظهار الحادث الإرهابي على أنه مجرد رد فعل لما تمارسه الدولة التي وقع فيها الحادث من عداء للإسلام، وتنكيل بالمسلمين.


وقد أجابت هذه الشهادة عن الكثير من الأسئلة حول تناقضات أعضاء جماعة الإخوان في تعاملهم مع الأحداث السياسية، وتعاطيهم غير الواضح مع فصائل الإسلام السياسي الأخرى خاصة التي تنتهج العنف، بقدر ما أزالت العجب حول ظهور بعض الأشخاص المحسوبين على الجماعة أو على غيرها من فصائل التيار الإسلامي، يقدمون النقد اللاذع للإخوان، ويكيلون لها الاتهامات حتى تظن أنهم مفارقوها، ويطالبون الجماعة بعمل المراجعات لمنهجها والتخلي عن العمل السياسي، والاكتفاء بالعمل الدعوي، ثم ظهور أشخاص آخرين يهاجمون أصحاب هذه النصائح ويظهرون النكير عليهم، في لعبة خفية لتبادل الأدوار، وتنفيذ ما كشف عنه الصاوي رغم أن الجميع في النهاية متمسك بتلابيب الجماعة.


عاصم عبدالماجد نموذجا

 

كثير ما ظهرت هذه النداءات المتناقضة من أشخاص لا ينتمون تنظيما للإخوان، ومنها سلسلة التدوينات التي نشرها عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، الهارب عبر صفحته "فيسبوك" والتي بدا فيها وكأنه أصيب بانفجار داخلي وصحوة مفاجئة لضميره الذي استيقظ، لكشف حقيقة الإخوان، وأنه جاء ليقدم النصح للجماعة بالابتعاد عن الساحة، بعدما تبينت أمامه أخطاؤها، ووجه في رسائله نقدا لاذعا لها متهما قياداتها بأنهم وضعوا التيار الإسلامي كله، بل والإسلام، في مواجهة مباشرة ودائمة مع الدولة، مشيرا إلى أن الإخوان كانوا مجرد بهاليل يتلاعب بهم من يشاء، وعليهم أن يتخلوا عن العمل السياسي.

 

وسرعان ما انطفأت انتقادات عبدالماجد فجأة مثلما بدأت فجأة، بدون مبرر، ولم يعد يُسمع لعبد الماجد صوت، بعد أن واجه موجة مضادة من الانتقادات الحادة من عدد من المنتمين للجماعة أو المتعاطفين معها من الجماعات الأخرى، وفي الوقت نفسه جذبت عددا آخر ممن اتفقوا مع عبد الماجد- فجأة أيضا ومنهم كتاب وصحفيون أدرجت صحفهم ومواقعهم على قوائم الإرهاب، بتهمة دعم الإخوان ليوجهوا نقدا لاذعا لجماعة الإخوان.

 

وهنا فقد ظهر للجميع أن هناك فريقين في التيار الإسلامي بوجه عام وداخل الإخوان بوجه خاص، أحدهما مؤيد للجماعة، وآخر معارض لوجودها في الحياة السياسية، وهي السياسة التي تتبعها الإخوان منذ تأسيسها حيث تعتمد على عدد من المعارضين لمنهجها يظهرون حين الحاجة إليهم، ثم يختفون كما ظهروا، ويعاودون الكَرة بعد الكَرة.


تعامل الجماعة مع الفصائل الأخرى

 

وتتعامل جماعة الإخوان أيضا مع الجماعات والفصائل الأخرى بالمنهج نفسه، يظهر مجموعة منهم تستنكر الأعمال الإرهابية التي ينفذها الجماعات الجهادية، ومجموعة أخرى تؤيد هذه العمليات وتنصرها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وقنواتهم الفضائية.

 

وقد كشف أسباب هذا التناقض- بدون قصد- صلاح الصاوي مفتي الإخوان في أمريكا في كتابه "الثوابت والمتغيرات" في شكل نصائح قدمها لأعضاء الجماعة، طالب فيها أعضاء الجماعة:

 

"بعدم التورط في إدانة الفصائل الأخرى العاملة للإسلام إدانة علنية، تحت شعار الغلو والتطرف، مهما تورطت هذه الفصائل في أعمال تبدو منافية للاعتدال والقصد والنضج، فإن كان لابد من حديث للتعليق على بعض هذه الأعمال الفجة، فليبدأ أولاً بإدانة الإرهاب الحكومي في قمع الإسلام، والتنكيل بدعاته والذي كان من نتائجه الطبيعية هذه الأعمال، التي تبدو غالية وحادة، والتي تمثل رد فعل متوقع لما تمارسه الحكومات من تطرف في معاداتها للإسلام وغلو في رفضها لتحكيم شريعته. وأنه لا سبيل إلى حسم هذه التداعيات، وسد الذريعة إلى التطرف من الفريقين إلا بتحكيم الشريعة وإقامة كتاب الله في الأمة، فيردع الغلاة والجفاة.

 

وذلك لأن الإدانة المطلقة لهذه الأعمال الجهادية ستكرس بطبيعة الحال الخصومة مع هذه الفصائل، وتملأ ساحة العمل الإسلامي بالفتن والتهارج، اللهم إلا إذا كان ذلك – كما سبق بتنسيق مسبق، وتوزيع متبادل للأدوار.

 

ومن هنا تأتي ضرورة الحرص البالغ والدقة المتناهية فيما يصدر عن الإسلاميين في هذه المجالس من تصريحات ومقولات تمس إحدى هذه الفصائل.

 

هذا، ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية، ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عملياً إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد، أمكنه معه أن يتفق على الترخص في شيء من ذلك، ترجيحاً لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس بغير تشويش ولا إثارة".

(انظر: كتاب الثوابت والمتغيرات في العمل السياسي المعاصر، صلاح الصاوي، ص327- 328).