رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طالبان.. حينما تتحول «الماتريدية» إلى جماعة مسلحة

جريدة الدستور

لا يمكن النظر إلى حركة طالبان بمعزل عن محيطها المكاني والزماني أو عن تاريخ البلد الذي نشأت فيه، إذ يثبت كل الباحثين المعنيين بالحركات الإسلامية، خاصة الذين كان لهم نصيب من زيارة أفغانستان والتعامل عن قرب مع قادة الحركة، الذين أكدوا أن البيئة المحيطة بالحركة تتجانس معها إلى حد بعيد، سواء من طبيعة التكوين النفسي لأعضائها، أو البنية الفكرية المتأثرة بالمذهبية الدينية، التي تلعب الدور الأساسي في تشكيل الوعي السياسي للحركة.

وقد أشار أحد كبار أساتذة زعماء الحركة، حفيظ الله حقاني في كتابه " طالبان أفغانستان من حلم الملا إلى إمارة المؤمنين"، الصادر عن معهد الدراسات السياسية السياسية في إسلام اباد، إلى: "أنه منذ تأسيس دولة أفغانستان في عام 1747م حتي عام صدور كتابه 1997، أي خلال 250 سنة تولى السلطة في البلاد 30 حاكما- منهم 13 – حوالي 43.3% تقلدوا منصبهم استنادا إلى أسباب دينية- ومن هؤلاء الثلاثين 11 حاكما(حوالي 35.5%) عزلوا من مناصبهم نتيجة لأسباب وعوامل دينية".
(انظر: طالبان، جند الله في المعركة الغلط، فهمي هويدي، ص 19)

إذن فإن المناخ العام المحيط بحركة طالبان مناخ ديني مبني على أساس مذهبي إقصائي كما سنرى، والاسم نفسه مأخوذ من "طلب العلم الشرعي" الذي كان يتلقاه زعماء الحركة في المدرسة الديوبندية التي تتبني العقيدة الماتريدية والفقه علي المذهب الحنفي.

المدرسة الديوبندية

 

و"الديوبندية" طائفة من الأحناف في شبه القارة الهندية، تتخذ منهجا عقديا أقرب إلى المذهب الأشعري الماتريدي، إلا أنها تختلف في تكوينها العقدي عن شريكتها طائفة البريلوية الصوفية التي تتميز بالكثير من المخالفات العقدية، وينتسب زعماء حركة طالبان إلى الطائفة الأولى ذات المنهج الماتريدي.

 

و"ديوبند" هي بلدة في ولاية أوترا براديش، اكتسبت شهرتها من أجل الجامعة الإسلامية الشهيرة "دار العلوم"- أو أزهر الهند- التي تأسست فيها عام 1283هـ، والتي تعتبر فخراً واعتزازاً لها بلا شك، وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الجامعة هو تأييد المذهب الحنفي ونشره وإخضاع السنة النبوية وتطويعها للفقه الحنفي".

(انظر: الديوبندية، أبو أسامة سيد طالب الرحمن، ص21)

 

عقيدة الديوبندية

 

يدرس طلاب الديوبندية، ومنهم قادة طالبان العقيدة الماتريدية، والفقه الحنفي، إضافة إلى ميولهم الصوفية، وليس كما يفهم البعض أنهم على المذهب الحنبلي، رغم علاقة الحركة بالفصائل الجهادية القادمة من الجزيرة العربية ذات الميول العقدية السلفية، والتي تنتهج منهجا مخالفا للمذهب الماتريدي والأشعري التي تعتبرها مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وتتفق معها في آليات الجهاد.


يقول أبو أسامة طالب الرحمن:

" إن الديوبندية ينتمون إلى مدرسة ديوبند التي أسست في 15 محرم سنة 1283 هـ في ديوبند بلدة من بلاد الهند وعني بتأسيسها الشيخ محمد قاسم النانوتوي وتحمل مسئولية تربية طلابها وتزكية نفوسهم وتصفية باطنهم زميله وخليله الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي وهكذا تم على أيدي هذين الشيخين تأسيس هذه المدرسة وعلماء ديوبند مسلمون دينا وأهل سنة وجماعة فرقة وأحناف مذهبا وصوفية مسلكا وماتريدية عقيدة وجشتيون طريقة بل إنهم يجمعون بين سلاسل الصوفية وطرقهم كلها ثم إنهم ينتمون إلى ولي الله فكريا ويقلدون محمد قاسم في الأصول والشيخ رشيد أحمد في الفروع وينتسبون إلى ديوبند".

(انظر: الديوبندية، أبو أسامة سيد طالب الرحمن، ص9)

 

وذكر خليل أحمد السهارنفوري، في كتابه (المهند على المفند) في بيان معتقدات علماء ديوبند والرد على الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته":

" ليعلم أولا قبل أن نشرع في الجواب أنا بحمد الله ومشائخنا، رضوان الله عليهم أجمعين، وجميع طائفتنا وجماعتنا مقلدون لقدوة الأنام وذروة الإسلام الإمام الهمام الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه في الفروع، ومتبعون للإمام الهمام أبي الحسن الأشعري والإمام الهمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما في الاعتقاد والأصول، ومنتسبون من طرق الصوفية إلى الطريقة العلية المنسوبة إلى السادة النقشبندية والطريقة الزكية المنسوبة إلى السادة الجشتية والى الطريقة البهية المنسوبة إلى السادة القادرية والى الطريقة المنسوبة إلى السادة السهروردية ، رضي الله عنهم أجمعين ).


زعماء الديوبندية

 

ويعترف زعماء طالبان بتأثرهم بمنهج الديوبندية، ومنها ما صرح به عمر محمود أبو عمر المكني بأبي قتادة، لقناة الجزيرة بتاريخ 23/11/ 2001 وقال:" طالبان يعني الطلبة.. وهي جماعة من خريجي المدارس الشرعية التي تنتمي إلى أزهر الهند - يقصد المدرسة الديوبندية وهي مدرسة حنفية ديوبندية لها تاريخ عريق معروف في واقعها الإسلامي في داخل القارة الهندية".

 

وقال الملا محمد عمر في خطابه الذي أرسله لعلماء ديوبند في الاجتماع الذي عقد في باكستان عام 2000: "إنه لا يخفى على أحد ما قدمته دار العلوم ( ديوبند ) من خدمات عظيمة للإسلام ، فلقد كان لها دور كبير في المحافظة على العلوم والشعائر الإسلامية في شبه القارة الهندية ، وقد قدمت للأمة رجالاً عظاماً لا تنسى إنجازاتهم العلمية والإصلاحية والدعوية.


غلو الماتريدية ينسحب إلى طالبان

 

الماتريدية فرقة كلامية تنسب إلى أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة 333 هـ، وتقترب من العقيدة الأشعرية في الكثير من المواضع، إلا أنها تخالفها في أكثر من خمسين مسألة، ويظهر الغلو لديها في الكثير من معتقداتها التي تخالف منهج أهل السنة والجماعة، رغم أنهم لا يرون غيرهم مع الأشاعرة يستحقون الانتساب إلى أهل السنة، ولهم طريق معروف في العقيدة خاصة في مسائل الإيمان وإثبات وجود الله وأسمائه وصفاته.

 

ويظهر الغلو في التكفير لدى الماتريدية خاصة في مسائل الإيمان بشكل واضح والتي خالفت فيه أكثر الفرق الإسلامية خاصة الأشعرية التي تعتبر الأقرب إليها، ومن ذلك ما قاله ابن الهمام:

 

"وقال الرُّستغفني: لا تجوز المناكحة بين أهل السنة- أي الماتريدية- والاعتزال وقال الفضل: ولا من قال: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه كافر، ومقتضاه منع مناكحة الشافعية، واختلف فيها هكذا، قيل يجوز، وقيل يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته .

ولا يخفى أن من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، فإنما يريد إيمان الموافاة صرحوا به. يعنون الذي يقبض عليه العبد، لأنه إخبار عن نفسه بفعل في المستقبل أو استصحابه إليه، فيتعلق به قوله تعالى: { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله }" .

 (انظر: فتح القدير، لابن الهمام، الجزء 3، ص 230)

 

وكما تري فقد وصل الغلو إلى حد منع زواج الماتريدية، من أصحاب المذاهب الأخري ومنهم الشافعية وتكفير من يقول بالاستثناء في الإيمان وهي مسألة خلافية كبيرة في العقيدة.

 

وقد وجد الغلو في هذه المسائل صدى كبيرا لدى طالبان، نتيجة التكوين النفسي والديني المتأثر بالبيئة التي تتسم بالغلظة في كل شيء.


النشأة

 

نشأت حركة طالبان في ولاية قندهار جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994م، على يد الملا محمد عمر، وهو أبو طالبان وكانت تهدف إلى القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الديبوندية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994م.



وقد تمكنت الحركة من السيطرة  على قندهار وما حولها، وكذلك مدينة "هيرات" في 5 سبتمبر من عام 1995م. وفي شتاء نفس العام، حاصرت طالبان العاصمة "كابول" وأطلقت الصواريخ على المدينة وقطع الطرق التجارية المؤدية إلى مدينة كابول مما استدعى من كل من رئيس أفغانستان برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار المتناحرين التوقف عن القتال فيما بينهما وتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك طالبان. في 26 سبتمبر من عام 1996، ترك حكمتيار ورباني كابول العاصمة واتجها شمالا وتخليا عنها لتقع في يد طالبان التي تسلمت مقاليد الأمور في العاصمة وأنشأت إمارة أفغانستان الإسلامية، إلى أن تم الاعتراف بحكومة طالبان رسميا فيما بعد.

وتشكل الترتيب التنظيمي في الحركة كما يلي:

أمير المؤمنين.

المجلس الحاكم المؤقت.

مجلس الشوري المركزي

مجلي الشوري العالي.

مجلس الوزراء.

دار الإفتاء المركزي.

مجالس الشورى في الولايات.

القيادات العسكرية.


أهداف الحركة

 

أما عن أهداف الحركة فقد قال الملا محمد عمر في كلمته التي ألقاها أمام العلماء في قندهار يوم 4/4/1996 " إننا نريد تطبيق دين الله في أرضه ونريد خدمة كلمة الله ، ونريد تنفيذ الأحكام الشرعية وحدود الله" .

 

ويرصد ملا حفيظ حقاني أهداف الحركة التفصيلية التسعة عشر في كتابه "طالبان"، وهي:

 

1 ـ إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة

2 ـ أن يكون الإسلام دين الشعب والحكومة جميعا.

3 ـ أن يكون قانون الدولة مستمدا من الشريعة الإسلامية.

4 ـ اختيار العلماء والملتزمين بالإسلام للمناصب المهمة في الحكومة.

5 ـ قلع جذور التعصبات القومية والقبلية.

6 ـ حفظ أهل الذمة والمستأمنين وصيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ورعاية حقوقهم المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.

7 ـ توثيق العلاقات مع جميع الدول والمنظمات الإسلامية.

8 ـ تحسين العلاقات السياسية مع جميع الدول الإسلامية وفق القواعد الشرعية.

9 ـ التركيز على الحجاب الشرعي للمرأة وإلزامها في جميع المجالات .

10 ـ تعيين هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء الدولة .

11 ـ قمع الجرائم الأخلاقية ومكافحة المخدرات والصور والأفلام المحرمة .

12 ـ استقلال المحاكم الشرعية وفوقيتها على جميع الإدارات الحكومية .

13 ـ إعداد جيش مدرب لحفظ الدولة الإسلامية من الاعتداءات الخارجية .

14 ـ اختيار منهج إسلامي شامل لجميع المدارس والجامعات وتدريس العلوم العصرية.

15 ـ التحاكم في جميع القضايا السياسية والدولية إلى الكتاب والسنة.

16 ـ تعيين العلماء الأنقياء الأكفياء بالمحاكم الشرعية.

17 ـ أسلمة الاقتصاد والاهتمام بالتنمية في جميع المجالات.

18 ـ طلب المساعدات من الدول الإسلامية لإعمار أفغانستان.

19 ـ جمع الزكاة والعشر وغيرها ، وصرفها في المشاريع الإسلامية والمرافق العامة.


انحراف طالبان

ورغم انطلاق الحركة من أرضية دينية إلا أن هناك الكثير من الانحرافات العقدية والسياسية لقادتها إضافة إلى وقائع الفساد والجرائم ومنها تجارة المخدرات.

وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة عام 2008 ازدهار تجارة المخدرات خاصة الأفيون وأكد التقرير أن حركة طالبان حصدت ما يصل الى 470 مليون دولار من تجارة الافيون في افغانستان هذا العام وحده وتستخدمها في تمويل التمرد ضد القوات الامريكية والافغانية.

 

وذكر التقرير ان طالبان جنت ما بين 50 و70 مليون دولار من خلال فرض ضريبة العشر على الانشطة الاقتصادية مثل زراعة الافيون هذا العام بالاضافة الى ما بين 200 و400 مليون من ضرائب على عملية معالجة الافيون وتجارة الهيروين".