رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الترند الأول» سابقًا.. سر اختفاء محمود درويش: «10 سنوات من الغياب»

محمود درويش
محمود درويش

شهدت السنوات الماضية طفرة كبيرة على كافة المستويات وأصبحت السوشيال ميديا هى القانون الجديد لمن يريد أن يعبر عن أفكاره ويخرجها للنور، لذا اتجه قطاع عريض من الجمهور، وخاصة الشباب بتنفيذ الأفكار والمشاريع التى عجزوا عن تنفيذها خلال الفترات الماضية.

ومع انشغال الشباب فى الظهور عبر السوشيال ميديا، عزف قطاع كبير عن قراءة الكتب والشعر، وفى الفترة من 7 إلى 10 سنوات الماضية، كان الشباب في حالة ثورة واندفاع وإحباط بسبب ثورات الربيع العربي، فكانت قصائد تعبر عن الحالة التى يعيشونها يوميًا، مما تجد تفاعًلا كبيرًا معها، فنجد أن قصيدة "لا أعرف الشخص الغريب" وما بها من حداد وعزاء.. تشبه الأحداث اللي سبقت ثورة ٣٠ يونيو إبان حكم الإخوان.

كما نجد أن قصيدة "وحدك" التى نشرت منذ 8 سنوات عبر يوتيوب وقد تخطت 3 مليون مشاهدة، والتى تفاعل معها الشباب الذي لا يجد صديق يحنو عليه أو حبيب يترقب ذكرياته، وكأنها تصف حالة الوحدة التي يعيشها البعض ونسيانه من البعض. 

بينما وجدت قصيدة "تنسى كأنك لم تكن" والتى نشرت عبر يوتيوب منذ ثمانى سنوات، وقد حصدت 2 مليون و300 ألف مشاهدة، فهى تخاطب الوجدان وتؤكد للشباب أنهم راحلون وسوف ينسوا بعد رحليهم كأنما لم يأتون للحياة، ويحث الشباب والكبار على العمل، وتذكر ساعة الرحيل والعمل لها.

وأما قصيدة "أنا العاشق السيء الحظ" مليون و600 ألف منذ 9 سنوات، فقد تتحدث عن الحظ السيء وتسرد تفاصيل شخص عاش أسيرًا بين قهوته وبداخله قلب متحطم فلم يعد لديه أصدقاء ويعيش وحيدًا داخل منزله الصغير، وهذه القصيدة تصف حال الكثير من الناس لذا وجدت آنذاك تفاعًلا كبيرًا لأنه تقص واقعًا ملموسًا.

هكذا كل قصائد درويش تعشر بمن يقرأ أنها تعبر عن حالته فهناك من يفقد الحبيب فيجد القصيدة التي تعبر عن جرحه العميق، وهناك من يعيش وحيدًا فيجد الكلمات التى تلمس وحدته، وتعبر عن حالته، وهناك من فقد أحبته وعاش وحيدًا فيجد في قصائده ما يعبر عن وحدته وجرح قلبه الغائر.

تتنوع القصائد بتنوع الحالات، فهى تناسب كافة الفئات العمرية، ولكن الشباب أكثر لأنه يتحرك من منطلق مشاعره ويتفاعل مع الإحباط واليأس والفرح والثورة والغضب وقد استطاع أن يلمس درويش كل هذه المشاعر ويجسدها في قصائد مكتوبة.

ولكن بالرعم من أن الفترة الماضية قد شهدت قصائد درويش إقبالُا كبيرًا إلا أنها خلال السنوات الماضية تراجعت نسبة التفاعل معها، فقد وجدنا قصائد وصلت نسبة المشاهدة 25 ألف مشاهدة كما جاء في قصيدة" الحب كذبتنا الصادقة"، وغيرها من القصائد التي تتحدث الحب والوحدة والنسيان والعروبة فقد انخفض معدل الإقبال عليها.

"الدستور" التقت مجموعة من الشباب للحديث حول قراءة قصائد محمود درويش، وأسباب تراجع نسبة الإقبال عليها ومشاهدتها.

من جانبها، قالت إيمان عمر، مهندسة، تبلغ من العمر ثلاثين عامًا، إن الشاعر الكبير محمود درويش، هو معجزة من المعجزات، فحينما اقرأ قصائده أو أسمعها عبر يوتيوب أو ساوند كلاود، أشعر بأنه ينقلنى من مكانى إلى عالم آخر، فعندما أسمعه أبكى يمزج الخيال مع الواقع ويأخذني فى حلمي الخاص وواقعي البعيد لأرى نفسى وكأنك بطلة بهذه الكلمات، وأن كلمته تعبر عنى، ولن أبطل قراءة قصائده ولكن قلت القراءة عن الماضي بسبب انشغالات الحياة.

بينما قالت أسماء مدحت، محمود درويش يعبر عنى بجميع قصائده، فعندما اسمع قصيدة له يلهمنى الحماس، ويعطيني دافع وقوة من جديد ويحيي فى الأمل، عندما يصيبني يأس استمع لقصائده أو أقرأها، فهناك قصيدة "وحدك" كلما أسمعها أو أقرأها أشعر بكلماتها بحروفها وتخيلات معانيها أشعر أنها تنطبق على.

وقالت أميرة محمد، تبلغ من العمر 31 عامًا، ربما انشغلت كثيرًا عن سماع الأغاني والشعر، فكنت من عشاق الشعر لهشام الجخ وأميرة البيليى وغيرهم من الشعراء ولكن أشعار محمود درويش، كانت تمثل لى حالة خاصة، فهى  كأنها لى قصص خيالية تأخذنى إلى عالم الجمال والخيال والخلود كم هو عبقرى، وأعتقد أن درويش حالة نادرة وهو مثله مثل أم كلثوم وأمل دنقل وعبد الوهاب سيظل اسمهم محفور في أعماقنا، ولكن ربما استماعنا لهم قل بسبب التطور السريع للحياة ولكن لا نستطيع أن نقول أننا لا نسمعهم.

بينما ترى ليلى عبد الرحمن، كل مرة فى حياتي أقف عند قصيدة من قصائد درويش فأجدها تتكلم عنى وتصف حالتى الراهنة، ولست أنا فقط بل أعتقد جيلى كله، فالآن عمرى 32 عامًا لكن درويش يمثلنى في كل جيل.

بينما قال محمود إبراهيم سكران، الذي يبلغ أربعين عامًا، محمود درويش، متبنى العصر الحديث بلا منازع، فروحى تتساقط سهوًا عند استماع كلماته، فكلمته جميلة تزيد فى الإنسان وجع حلو نتلذذ به، فهو أسطورة لن تتكرر، وتربينا على قصائده فهو يعبر عما يجول فى خاطري.

بينما قالت هالة محمد عيسى، عدم قراءتى لقصائد درويش هو انشغالي بالميديا وما بها من صخب ووسائل للهو جذبتنا بعد عناء دراسة أو عمل أو مكوث ممل على الكافتيريات، فالتطبيقات الحديثة جعلتنى دائما علىها فالطعام والأجهزة وكافة ما يتعلق بالحياة أصبح أونلاين، فالوقت لا يكفى للخروج من الهاتف المحمول. 

وأضافت هالة في الحقيقة جيلنا أصبح هش جيل مشتت مهدوم الإرادة من وجهة نظرى نتاج عوامل عديدة لاذنب له فيها سوى وجوده في تلك الأحداث من ثورات وتغيرات في شتى البلاد، إضافة إلى عدم التوعية هو السبب الرئيسي والأهم في عزوف أبناء جيلي عن القراءة وعن الشعر عامة وليس شعر محمود درويش فقط.

بينما قال خيري حسن، إن شعراء الربط موجودين في كل زمان ومكان ولن نستطيع أن ننساهم ولا نقف عن سماعهم، فمحمود درويش من شعراء الربط الموجودين، سيظل مثل أمل دتقل، لهم جمهورهم ولهم مستمعهم والقارئ الخاص بهم، لكن أنا ما زلت اقرأ شعر محمود درويش وهناك فترات زمنية معينة تتراجع القضايا الوطنية فيها فيتراجع شعرهم في أوقات زمنية، ويتراجع الإقبال على شعر محمود درويش نظرًا لتراجع القضايا التي تلهم حماس الناس بما فيها أنا. 

قال الناقد الدكتور محمد سليم أبو شوشة، إن شعر محمود درويش، هو الشعر الذي يصمد ويتصور هو الذي  يقترن بحالات إنسانية وعامة منفصلة مثلال قوميات أو عرقيات أو يعلو عن حالات الغضب أو الانفعال، أي يقارب حالة إنسانية عامة، وهذا عير موجود إلا في مساحات ضئيلة عند درويش.

وأضاف أبو شوشة فى تصريحات لـ"الدستور" أنه كان هناك أداة إعلامية تخدم علي درويش باعتباره الصوت المضاد للاستعمار الاسرائيلي، فكان يجد إقبالا كبيرًا من الشباب والكبار، وكل هذه الأشياء تراجعت، فهو شاعر كبير بالطبع ولا نستطيع أن نقول شيئًا، وكان يمثل السياق العربي وقتئذ.

وأشار إلى أن المتلقى الآن لا يعيش حالة الغضب أو الانفعال التي كان عليها درويش آنذاك، فكان هناك قوميات وثورات كانت تجبر الشباب على تلقى تلك الكلمات والتفاعل معها، لكن الآن اختلفت الأمور. 

وأكد على أن أسباب عدم الإقبال أيضا يرجع إلى تغيير السياق الثقافى والسياسي، فدرويش كان شعر من شعر التفعيلة وأقرب للظاهرة الصوتية، والذائقة قد تبدلت، كما أن عوامل التكنولوجيا أسهمت في ترسيخ قصيدة النثر فى سمتها العالمى، والتطور فى الثقافة أصبح سريع ومتلاحق بسبب الانفتاح على الغرب والتطور التكنولوجيا السريع أيضا، وهذه عوامل طرأت على الحياة الثقافية.

وتابع: ومن بين الأسباب التي أدت إلى عدم الإقبال على قصائد درويش، أحادية الصوت التى لم تعد مناسبة لهذا السياق الثقافى الراهن الذي يميل الى التعددية، والذي يقبل مع أصوات أخرى،  فدرويش هو صوت المتبنى لكن بقصيدة التفعيلة أي النثر.