رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤسسة ثقافية لـ«حياة كريمة»

 

 

أنا ممن يعتقدون أن انشغالنا بمواجهة التداعيات الاقتصادية يجب ألا يشغلنا عن مواصلة ما بدأناه.. من أهم المشروعات على أرض مصر مشروع «حياة كريمة».. هدف المشروع تغيير حياة ستين مليون مصرى نحو الأفضل، الفكرة أن تغيير حياة الناس لا يكون تغييرًا ماديًا فقط، رغم أهمية تغيير الظروف على الأرض، بالتأكيد فإن حق الناس فى سكن كريم ومستشفى جيد ومدرسة مناسبة ومجمع خدمات حكومية هو أمر لا جدال فيه.. لكن كل هذا ليس كافيًا وحده.. يمكن أيضًا أن نقول إن كل هذا لا يصنع نهضة بمفرده.. ما يصنع النهضة هو الإنسان.. العقل البشرى أو الإرادة الإنسانية، الثقافة هى برنامج تشغيل الإنسان، تمامًا كما أن أى جهاز كمبيوتر يحتاج لبرنامج تشغيل، دون ثقافة سنغير منازل الناس والطرق التى يمشون فيها لكن أفكار التخلف ستظل تسكن عقولهم.. وكأننا لم نفعل شيئًا.. أو «كأنك يا أبوزيد ما غزيت» كما يقول المثل الشعبى.. الثقافة هى التى تصنع وعى الإنسان بالعالم حوله، وتصوغ رؤيته لهذا العالم.. الثقافة هى التى تزرع فى الإنسان القيم الكبرى.. هى التى تحدد موقفها من العمل مثلًا، وكيف أنه أمر ضرورى لتحققه كإنسان، ولإعمار الأرض مثلًا.. الثقافة تحدد نظرة الإنسان للعالم.. المتطرفون يقنعون الصغار بأن العالم بالنسبة لنا دار حرب.. وأننا يجب أن نكره الآخرين.. وأنهم يكرهوننا وأن علينا أن نفجر أنفسنا فيهم.. هذه الأفكار نوع من «الثقافة».. تتمدد عندما تغيب مؤسسات الثقافة الحقيقية التى تقدم رؤية أخرى للعالم تقوم على الأخوة مثلًا، وحب الإنسان للإنسان دون نظر لأى اختلافات، واحترام التنوع الدينى، وأن علاقتنا بالعالم هى علاقة منافسة لا صراع، وأن علينا أن نضيف للبشرية لا أن نفجر أنفسنا فيها.. أظن أننا جميعًا نتفق على أنه يجب أن يكون هناك جناح ثقافى لمؤسسة حياة كريمة، هذا الجناح لا بد أن يعتمد على الأساليب الحديثة، ومنها مثلًا أن يكون العاملون فيه من خبراء التنمية الثقافية وليسوا من المبدعين، لأن أى مبدع يتم تعيينه فى وظيفة يكتفى بكونه مبدعًا!! أو يظن أن الوظيفة مكافأة له على إبداعه.. فلا يعمل.. وقد كان هذا أحد أوجه مأساة هيئة قصور الثقافة، الهيئة المعنية بالعمل فى قرى ومحافظات مصر المختلفة.. من متطلبات نجاح المؤسسة الجديدة أو من دواعى وجودها أن تعتمد على الأساليب الجديدة فى الوصول للشباب، فالأجيال الجديدة تميل بشكل كبير جدًا للقراءة الإلكترونية على التليفونات الذكية، وبالتالى لا بد من تطبيق ثقافى إلكترونى لنشر الكتب تتعاون فيه وزارة الاتصالات مع مؤسسة حياة كريمة، ولا بد كذلك من موقع إلكترونى ينشر الكنوز الثقافية التى شرعت وزارة الثقافة فى نشرها منذ الستينيات، مثل مشروع «الألف كتاب» و«الألف كتاب الثانى»، وإصدارات مشروع القراءة للجميع، وإصدارات سلاسل هيئة قصور الثقافة التى أصدرت كتبًا مهمة للغاية طوال التسعينيات والعقد الذى تلاها، هذه المؤسسة الثقافية الجديدة عليها أن تعمل بشكل احترافى وتتخلص من الأمراض المزمنة التى تعانى منها هيئة قصور الثقافة وجعلت إصلاحها شبه مستحيل، ومنها سيطرة البيروقراطية وكثرة التعيينات فى عقود مختلفة على سبيل المجاملات، ووجود بعض الموظفين الذين يعتنقون الأفكار المتطرفة، ويظنون أن الفن الذى يجب أن ينشروه بين الناس حرام!! والحقيقة أننى أعرف كل وزراء الثقافة الذين تولوا المنصب منذ التسعينيات حتى الآن، وقد تحدث الجميع عن إصلاح وشيك وضرورى لهيئة قصور الثقافة، لكن هذا الإصلاح لم يحدث، لا لتقصير من أحد ولكن لأن عوامل النحر والتجريف صارت أقوى من عوامل البناء والإصلاح، ومع ذلك فلا يجب أن نصادر على أى محاولات جادة تقوم بها الهيئة بل يجب أن ندعمها، وأحد أوجه هذا الدعم هو تدشين مؤسسة ثقافية حديثة تعمل على أسس احترافية، وتستعين بمتخصصين فى مجالى التنمية والإدارة الثقافية وفق أجندة وطنية مستقلة، إننى من الذين يعتقدون أن الثقافة والفنون والوعى بالحياة عمومًا هى أول الطريق للنهضة، وأول خطوة لتغيير حياة الأنسان للأفضل.. لذلك أرى أننا يجب أن نبدأ اليوم قبل الغد والآن الآن وليس غدًا.. والله ولى التوفيق.