رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المناورة بين الغرب وروسيا

 

الأسبوع الماضى حدث موقفان، للوهلة الأولى لا تظهر روابط بينهما، لكن بعد عدة دقائق من التفكير ستجد أن ثمة شيئًا قريبًا بعيدًا يربطهما، وبسهولة يمكن نسج الخيوط، خاصة إذا كان الموقفان يدوران حول روسيا؛ فقد علمتنا موسكو أن الأحداث القريبة البعيدة دائمًا يربطها شىء ما، وأن الصدف ليس لها مكان فى الكرملين، وأن الحرب فى أوكرانيا أصبحت مأزقًا لإسرائيل.

الموقف الأول، كان الوضع غير المسبوق الذى وجدت إسرائيل نفسها فيه، بشأن تزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية، ورغم الجهود التى بذلتها تل أبيب كى تظل على الحياد فى الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، فإنها خلال الأسبوع الأخير وجدت نفسها عالقة.

طلبت أوكرانيا من إسرائيل تزويدها بالقبة الحديدية، وهو الطلب الذى وضع إسرائيل فى حرج مع موسكو، خاصة فى تلك الأيام الساخنة، التى يصفها الإعلام الغربى بأنها أيام ما قبل الغزو الروسى لأوكرانيا، وحتى لا تستفز موسكو، رفضت إسرائيل تزويد أوكرانيا بالمنظومة. 

إدارة بايدن وزعماء الكونجرس يتفهمون حاجة إسرائيل إلى الحذر، لذا يتصرفون «بحساسية ومسئولية» فيما يتعلق بموضوع القبة الحديدية، المشروع الذى تطوره إسرائيل بالتعاون مع البنتاجون الأمريكى.

إسرائيل أوضحت للإدارة الأمريكية، فى محادثات غير رسمية، أنها لا تستطيع إرسال بطاريات القبة الحديدية إلى كييف، بسبب العلاقات مع روسيا، وفى الأشهر الأخيرة توجه الأوكرانيون مباشرة إلى حكومة «بينيت- لبيد»، وطالبوا بموافقة إسرائيل على تزويدهم بالمنظومات الدفاعية، ورفضت إسرائيل.

الموقف الثانى، كان تصريحات موسكو حول الهجمات الإسرائيلية على سوريا.. منذ سنوات نسمع عن غارات إسرائيلية وصواريخ وهجمات على سوريا، حتى باتت أخبار الغارات طبيعية ضمن أحداثنا اليومية الروتينية، لكن مرات، يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، كان لموسكو فيها موقف إزاء تلك العمليات، هناك من فسر أن العمليات الإسرائيلية تلقى الضوء الأخضر من الكرملين، وهناك من فسرها أن موسكو تغض البصر، طالما أن العمليات لا تخرج عن الخطوط الحمراء، وهناك من رأى أن موسكو تسمح لهذه المناوشات بين إسرائيل وحلفاء إيران فى الأراضى السورية، وأن موسكو تستفيد من هذا الوضع الذى يُرسخ مكانتها فى الملعب السورى.

الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا قبل أسبوع، لم تكن عنيفة– كانت هناك هجمات أعنف مثل الهجوم على مطار «تيفور» قرب دمشق وميناء اللاذقية- والخسائر لم تكن كبيرة، لكن الرد الروسى على لسان الناطقة بلسان وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا كان كالتالى: إن هذه العمليات تُعدّ خرقًا خطرًا للسيادة السورية، وقد تفضى إلى تفاقم حادّ للأوضاع هناك، وأكدت أن الغارات الإسرائيلية تمس جهود نظام الأسد وحلفائه الهادفة إلى القضاء على الإرهاب فى سوريا. حديث «زاخاروفا» ليس جديدًا، لكن يروى قصة أخرى، وهو إعلان الاستياء الروسى من النشاط الإسرائيلى فى سوريا، وهناك من فهم التصريحات بأنها رسائل روسية إلى الولايات المتحدة على حساب إسرائيل بصورة قد تهدد حرية عمل الجيش الإسرائيلى فى السماء السورية. تصريحات روسيا تذكرة لإسرائيل بأن لها الآن حدودًا مشتركة مع موسكو، ولها علاقة بموقف إسرائيل من أوكرانيا والصراع الجارى هناك.

إسرائيل الآن عالقة، وتحتاج للمناورة بمهارة بين موسكو وواشنطن، فى الوقت الذى من المتوقع أن تطلب فيه الولايات المتحدة من إسرائيل تأييدًا واضحًا لمواقفها، وسيكون على إسرائيل إعطاء الأولوية لعلاقاتها مع حليفتها الكبيرة والوحيدة «الولايات المتحدة»، لكن موقفًا كهذا سيكون له تأثير على علاقتها مع روسيا التى «تشد الحبل» من الجانب الآخر فيما يخص «حرية عمل إسرائيل ضد حلفاء إيران فى سوريا».

فى سبتمبر الماضى كانت تل أبيب مع موسكو وواشنطن فى قمة ثلاثية على مستوى مستشارى الأمن القومى بشأن مناقشة الأوضاع فى سوريا.. بإمكان إسرائيل أن تعود لهذا المكان مرة أخرى وفى سياق مختلف تمامًا.. وربما هذه المناورة الإسرائيلية التى ستكون على الطريق.