رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد النصر

أيام قليلة تفصلنا عن عيد النصر، وهو لمن لا يعرف عيد انتصار المدينة الباسلة بورسعيد وصمودها بملاحم شعبية ضد قوى الشر الثلاثية: إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، في 23 ديسمبر عام 1956.
تحمّل أبناء تلك المدينة ما لم يتحمله بشر، فهي الخط الأول للدفاع عن كرامة مصر، تحملوا ويلات ثلاث حروب متعاقبة في أعوام 56 و67 و73، وتم تهجيرهم عدة سنوات ليعودوا فيجدوا ديارهم أنقاضًا ليبدأوا من جديد بناء كل شىء من الصفر.

المدينة أحبها كل زعماء مصر، فخصّها ناصر بأعظم خطاباته، وكرّمها السادات بإقامة المدينة الحرة بها عام 75 عوضًا لأبنائها عما عانوه من سنوات عجاف، وبالفعل انتعشت شوارعها ومحالها وصارت قِبلة لكل أبناء مصر حتى أطلق عليها اسم «شانزليزيه مصر» خلفًا لشارع الشواربي بالقاهرة.
لكن لم يستمر ذلك طويلًا فبعد أن تعرض مبارك عام 95 لما سموه «محاولة اغتيال» من أحد المختلين عقليًا، وتم قتل المعتدي فورًا برصاصات الحرس الجمهوري، تحولت المدينة من لقب الشانزليزيه إلى لقب المدينة المغضوب عليها، قاطع زيارتها مبارك ومنع زوجته من السفر إليها لحضور فعاليات افتتاح مكتبة مبارك، وسُنّت القوانين خصيصًا لقتل المنطقة الحرة ووأدها في مهدها، وتعرض معظم تجارها للإفلاس والحجز على بضائعهم من البنوك بعد الكساد الذي استشرى كالنار في الهشيم في كل محالهم.

وجاءت الطامة الكبرى بعد رحيل مبارك وتولي الإخوان زمام الأمور في البلاد، فقد أعلن أبناء بورسعيد البواسل رفضهم حكم الإخوان، بل واستقلال المدينة وإعلان العصيان المدني العام، وإعلان جمهورية بورسعيد المستقلة، ووصل الحد للتفكير في الاحتفاظ بإيرادات قناة السويس وعدم تحويلها لخزينة الإخوان.
اضطر مرسي لإعلان حالة الطوارئ في المدينة، فنزل أبناؤها ليلًا في الشوارع يلعبون الكرة مع الجيش في تحدٍ صارخ لمرسي وحكومته الإخوانية.
فكان رد فعل الإخوان القذر تدبير مؤامرة استاد بورسعيد بمعرفة خيرت الشاطر وبعض أفراد إخوان حماس «والتي راح ضحيتها 72 من أبناء النادي الأهلي» والقبض عشوائيًا على بعض شباب بورسعيد الأبرياء.
ثار أبناء المدينة على الظلم وقاموا بمظاهرات أمام السجون تم فضها بالرصاص الحي، واستشهد 55 من أبناء المدينة أثناء فض تلك المظاهرات.

انتهت القصة ولم ينتهِ الظلم على بورسعيد وأبنائها، المدينة الحرة تحتضر وتلفظ آخر أنفاسها، النادي المصري البورسعيدي انتهت مدة حرمانه من اللعب على أرضه «خمس سنوات»، ومضت بعد السنوات الخمس ثلاث سنوات أخرى وما زال محرومًا من اللعب على أرضه حتى اليوم ولحين إشعار آخر، ولا يجرؤ أحد على الاعتراض.

وحتى تاريخ المدينة تتم سرقته بمنهجية احترافية، فدار الأوبرا الفخمة تحولت قاعاتها لحفلات مدرسية، تمثال ديليسبس التاريخي تمت سرقته ليلًا ووضعه في متحف بمدينة الإسماعيلية «رغمًا عن أنف صرخات المواطنين لعودته فوق قاعدته» على اعتبار أن ديليسبس خائن ولص لو رجع لقاعدته في بورسعيد، لكنه بطل وشريف في متحف الإسماعيلية، منتهى الاستخفاف بالعقول ومنتهى الرعب من بعض الغوغاء أصحاب الشعارات الجوفاء المسيئين لتاريخ البلد.

المدينة الرقمية الأولى في مصر تعاني أبشع النظم البيروقراطية.
أتمنى أن يقوم الرئيس عبدالفتاح السيسي بتنظيم احتفالية تليق بالمدينة في عيدها القومي، وسيادته بحاسته السادسة كرئيس مخابرات أسبق سيضع يده بسهولة على طلبات وأحلام أبناء المدينة، وثقتي فيه كبيرة لرفع الظلم عنها.