رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى العميد.. سوزان طه حسين تروي تفاصيل الليلة الأخيرة قبل رحيله

سوزان طه حسين
سوزان طه حسين

تمر اليوم ذكرى رحيل عميد الأدب العربي "طه حسين " والذي رحل في مثل هذا اليوم الـ15 من نوفمبر 1989، والذي يعد أحد رموز التنوير في مصر الحديثة، والاسم الأبرز والأشهر في تاريخنا الثقافي  العربي.

يظل اسمه واحد من أيقونات الفكر العربي، ليس فقط لما قدمه من أفكار ورؤى وفتح الباب على مصراعية للتفكير، وليس لمعاركه التي خاضها ضد التيارات السلفية، وليس لفتحه آفاق رحبة للثقافة بلياقة ومعرفة موسوعية وانفتاح على الآخرلم تكن لغيره، ولكن  ثمة شي ء آخر يجاور كل هذه الأشياء، وهو العمى الذي استبدله بالبصيرة المعرفية، الأمية التى استبدلها بالعلم والمعرفة، بالفقر الذي استبدله بغنى النفس وعفتها، والشجاعة في تقديم  قناعاته وأفكاره.

 يظل اسم طه حسين  أيقونة  العصر الفائت التى يتسرب وهجها ويقفز للحاضر، نستدعي طه حسين وخطابه الفكرى والثقافي في لحظتنا الراهنة كونه يطرح  اشكاليات الحاضر ويضع الحلول .

 في كتاب "معك" لرفيقة مشواره الفكري  سوزان طه حسين والذي تجاوز 366 صفحة من القطع  المتوسط ،وجاء بترجمة  المترجم بدر الدين العكرودي ، تقول  سوزان عن الليلة الأخيرة في حياة طه حسين ثم جاءت الليلة الأخيرة ناداني عدة مرات لكنه كان يناديني على هذا النحو بلا مبرر منذ زمن طويل . ولما كنت مرهقة للغاية، فقد نمت ولم أستيقظ، وهذه الذكرى لن تكف عن تعذيبي.

وتستطرد: "نحو  الساعة السادسة جعلته يشرب قليلا من الحليب وتمتم "بس.." ونزلت اعد قهوتنا . ثم صعدت ثانية مع صينيتي ودنوت من سريرة وناولته ملعقة من العسل بلعها .. وبدا لي بالغ الشحوب عندما استدرت إليه  بعد أن وضعت الملعقة على الطاولة وهيأت البسكويت، ولا تنفس ولا نبض ففعلت ما كنت أفعله في لحظات غشيانه العديدة ، لكنى كنت أدرك أن ذلك كن بلا  فائدة ، فناديت الدكتور غالي، ووصل بد نصف ساعة .

وتابعت: "جلست قربه مرهقة متبلده الذهن وإن كنت هادئة هدوءا غريبا " ما أكثر كا كنت أتخيل هذه اللحظة المرعب " كنا معا، وحيدين، ولم يكن أحد يعرف بالذي حدث، كان الواحد منا قبل الآخر مجهولا ومتوحدا، كما كنا في بداية طريقنا . وفي هذا التوحد الأخير ، وسط هذه الألفة الحميمية القصوى ، اخذت أحدثه وأقبل تلك  الجبهة التي كثيرا ما أحببتها / تلك الجبهة التي كانت من النبل ومن الجمال بحيث لم يجترح فيها السن ولا الألم أي غضون ولم تنجح أية صعوبة في تكديرها .وجبهة كانت لا تزال تشع نورا " ياصديقي ، ياصديقي الحبيب ". وظللت كل صباح ، حتى عندما لم نعد وحدنا  أقل واكرر يا صديقي".

 واختتمت سوزان وصفها لليلة الأخيرة لطه حسين: "كنت ابنتي في يويورك / وكان ابني في باريس، ولا يمكنني أن أصف المساعدة والعزاء الذين غمرني بهما أوائل لذين هرعوا من الأقربين، أن ما غمرني  به ذلك اليوم  اليوم الدكتور غالي وجان فرنسيس، وسوسن الرزيات وزوجها، وماري كجيل والأب قنواني ، كانفوق كل تصور  وفوق كل تعبير ، لقد حمل محمد شكرى على كاهله أعباء كل الإجراءات. وعندما قلت له "ذلك أنني وحيدة تماما" أجابني بتلك الكلمات: "لا تقولي ذلك ، فكل البلد ورائك " وكذلك بكلمات أخرى ، عندما أخبروني بأنهم سيأخذون طه إلى المستشفى بعد الظهر، كلمات إن بدت في ظاهرها قاسية  فقد كانت في حقيقتها  بالغة الجمال "إنه لم يعد يخصك ".