رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الخشت»: الخطاب الديني بشري يتحدد حسب طريقتنا في الفهم والتفكير

الخشت
الخشت

استضافت جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت، صباح اليوم، الكاتب الصحفي محمد أمين، للحديث عن "بناء الإنسان وتطوير العقل المصري"، وذلك ضمن النسخة الرابعة من معسكر قادة المستقبل الذي تنظمه الجامعة للطلاب في إطار مشروع جامعة القاهرة الذي وضعته منذ أغسطس 2017 لتطوير العقل المصري وبناء جيل جديد من الشباب يمتلك عقلًا علميًا نقديًا واعيًا لديه القدرة على المساهمة في نهضة وطنه ليكون في مصاف الدول المتقدمة.

وقال الدكتور محمد عثمان الخشت، إن إعادة بناء الإنسان لا يمكن أن تتم دون إعادة بناء العقل الذي يقود الإنسان ويكمن وراء كل سلوك وتصرف ومعتقد، مؤكدًا أن إعادة بناء العقل وتطويره ضرورة وأولوية في عملية التطوير، مشيرًا إلى أن أحد أهم محركات العقل المصري يتمثل في العقل الديني، لأن الإنسان المصري محكوم عبر 7 آلاف سنة بالتفكير والعقل الديني.

وأوضح الدكتور محمد الخشت أن الحديث عن العقل الديني لا يعني التغيير في النص المقدس (الوحي) ولكن يعني الحديث عن عقلنا الذي قد يصيب أو يخطئ، وهو ما يدفعنا للتمييز بين الدين والخطاب الديني، مؤكدًا أن من يريد تطوير الخطاب الديني لا يريد تطوير الوحي بل يهدف إلى تطوير طريقتنا في التفكير في الدين، لافتًا إلى أن الخطاب الديني هو ما نفهمه ونكتبه ونقوله عن الدين.

وأشار الدكتور الخشت إلى أن الإرهابي يفهم الوحي بطريقة تؤدي إلى التدمير والسب والقذف، مؤكدًا أن الوحي الذي نؤمن به هو نفسه الذي يؤمن به الإرهابي، ولكن طريقة فهمنا وتفكيرنا وكلامنا وكتاباتنا عن الدين تختلف.

ولفت الدكتور الخشت إلى أنه يوجد شخص عند قراءته للقرآن يتعلم الحفاظ على أهمية الكلمة، حيث تخرج كل كلمة بحساب وتكون صادقة ولا تنشر الشائعات، وشخص آخر يزعم أنه متدين يستخدم نفس النصوص بطريقة مغالطة تتيح نشر الشائعات والأكاذيب، مشيرًا إلى أن هذا ينطبق على عدة جوانب مثل حرية الرأي التي نؤمن بها جميعًا مع وجود فرق بينها وبين السب والقذف والأكاذيب، مؤكدًا أن الوحي نفسه ثابت والأصول ثابتة لكن طريقة فهمنا هي التي تتغير.

وأوضح الدكتور محمد الخشت أن الفارق بين الخطاب الديني الجديد والقديم يتضمن العديد من الجوانب، من بينها نظرة الإنسان للمستقبل، ولغة الحوار، والإقتصاد، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بنظرة الإنسان للمستقبل والعمل نجد أن الخطاب الديني الجديد يدفع الإنسان إلى أن يصنع المستقبل، ويحدد مصيره من خلال تعزيز قيمة العمل وإتقانه مع العبادة،  وقوانين الله هي قوانين الطبيعة، وأن العمل الصالح هو أي عمل دنيوي نافع ويوازي العمل التعبدي وهو الذي يغير العالم، وهو ما يستلزم ثقافة التخطيط وبذل الجهد، بما يدعم ثقافة النجاح، وأن الصواب متعدد ولا أحد يملك الحقيقة مطلقة إلا الله، وفي المقابل يدفع الخطاب الديني القديم الإنسان إلى انتظار المستقبل، من خلال الأخذ بالأفكار الجبرية وعدم حرية الإرادة وانتظار الفرج، والاعتقاد بأن المستقبل محدد سلفا، وضرورة إتقان العبادة وليس الأعمال الدنيوية، والفصل بين الإيمان والعمل، وأن العمل الصالح هو العبادات فقط، وهو ما ينتج عنه تقليل أهمية التخطيط وبذل الجهد، والاعتقاد بأن تغيير العالم يكون بالدعاء والعبادة فقط، وأن الأعمال الدنيوية لا علاقة لها بإرضاء الله، وبالتالي دعم ثقافة التواكل والتبرير، وأن الصواب واحد وامتلاك الحقيقة المطلقة.

وأكد الدكتور الخشت أن لغة الحوار في الخطاب الديني الجديد تتميز بفتح قنوات للحوار وتعدد زوايا النظر والقدرة على الاختلاف بناء على الحجة مع وجود أرضية مشتركة، والبحث مع القناعة بأن الخير متعدد والشر متعدد، وأن القديم ليس كله صحيحا أو خطأ، وأن الحق لا يُعرف بالرجال وإنما بقوة الحجة من العقل والواقع، وعدم قبول الرأي إلا بعد اختباره، وأن المسئولية فردية، بما يدعم الفحص والتعليم الحواري، والتمييز بين الإلهي والبشري، ويسهم في إبداع الإنسان خارج المنظومة بينما ينطوي الخطاب الديني القديم على عدم الرغبة في فتح قنوات للحوار والاستماع فقط وأحادية النظرة والسمع والطاعة مع عدم وجود أرضية مشتركة، والنقل وأن الخير واحد والشر متعدد، والصحة المطلقة للقديم، والتسليم دون فحص، وأن المسئولية تقع على المجتمع، بما يدعم سرعة التصديق والتعليم البنكي أو إيداع المعلومات من المعلم في ذهن الطالب، وعدم التمييز بين الإلهي والبشري، بما يجعل الفرد مُقيد بمنظومة مجتمعية.

وأضاف الخشت أن الخطاب الديني الجديد يدعم الاقتصاد من خلال عدة جوانب، من بينها تعزيز مفهوم أن المكسب يكون بالأمانة والقانون واحترام النظام والقواعد، وتأكيد أهمية المبادرة الفردية والخروج عن الثقافة الرجعية السابقة وعدم الخوف من المجهول، والأخذ بالأسباب وتطبيق قوانين الطبيعة، والتحول من نمط الاقتصاد الرعوي إلى الاقتصاد الصناعي الإنتاجي، بما يدعم ثقافة الإنتاج والتدبير والتعلم، وفي المقابل يعمل الخطاب الديني القديم على تعزيز قيمة الخوف من المجهول، والتواكل، والبقاء في نطاق الرعوية، بما يدعم ثقافة الاستهلاك والوفرة.

وتابع الدكتور الخشت أن الإنسان في الخطاب الديني القديم ينتظر المستقبل، أما في الخطاب الديني الجديد فالإنسان يصنع المستقبل بجهده والأخذ بالأسباب، مع عدم إنكار القدر الذي يمثل العلاقة بين السبب والنتيجة، موضحًا أن القرآن هو كتاب الله المقروء، وكل العلوم كتب الله لأنها توقفنا على أعمال الله في الطبيعة.

وأشار الدكتور الخشت إلى أنه في الخطاب الديني القديم الأعمال التعبدية أهم من الأعمال الدنيوية، بينما في الخطاب الديني الجديد نجد أن الأعمال الدنيوية في وزن الأعمال التعبدية، موضحًا أن الصلاة ركن من أركان الإسلام ولكن لها غاية هي تقريبنا من الله ونهي الإنسان عن الفحشاء والمنكر، مؤكدًا أن الأعمال التعبدية وسيلة لإعمار الأرض والذي يعد مقصدًا إلهيًا.

من جانبه، شدد الكاتب محمد أمين على جهود الدكتور محمد الخشت في تجديد الخطاب الديني، وحديثه عن الخطاب الديني القديم والجديد والفرق بينهما، كما أشاد أمين بتدريس مقرر التفكير النقدي بالجامعة، والذي يعد جزءًا في بناء العقل والإنسان، مؤكدًا أن جامعة القاهرة هي الجامعة الأم التي أطلقت مشروع تطوير العقل المصري منذ 4 سنوات، والذي يمثل مشروعها لتحرير العقل ويعكس اهتمامها بأن يكون لدى الناس فهم وعقل نقدي يناقش كل شيء دون التسليم به عن عدم فهم.

وأوضح أمين سبب الدعوة لبناء الإنسان ومنظومة القيم في مصر، لأن القيم والأخلاقيات هي التي تبني الأمم والأوطان إلى جانب الأموال، مشيرًا إلى أن المجتمعات التي أعادت بناء الإنسان كانت خارجة من حروب عالمية كبرى مثل اليابان وألمانيا، موضحًا أنه كتب مقالًا عام 2011 تحدث فيه عن سقوط الرمز الذي جعل الناس تتحدث في كل شىء، مما أوجد ضرورة لقيام مجتمع جديد، مؤكدًا أن إعادة بناء الوطن خاصة بعد الحروب والثورات يستلزم إعادة بناء الإنسان عمل دستور قوي للدولة، مشيرًا إلى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بكل التفاصيل في الدولة المصرية، من بينها الاهتمام بالريف المصري من خلال مشروع إحياء الريف المصري "حياة كريمة".

وأكد أمين أن كل مجتمع له خصوصية، وأن إعادة بناء الإنسان تتم بالعلم والتعليم والثقافة والدين والدستور والأحزاب، وحديث كل متخصص عن إعادة البناء من منظوره الخاص، لافتًا إلى أن الإعلام الوطني يخاطب الشعب ويكون له ضمير حي تجاه الشعب، الذي يستجيب له ويصدقه، أما الإعلام الذي يركب الموجة لا يمتلك تأثيرًا أو قيمة.