رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلاوة الروح


«نحن لن ننهزم أو نستسلم.. إما أن ننتصر أو نموت».. قالها المجاهد الليبى العظيم عمر المختار فى مواجهة الاحتلال الإيطالى لبلاده، ونقولها اليوم فى مواجهة التحديات التى تخوضها مصر، فى الداخل والخارج، ضد أولئك الذين يريدون للشعب المصرى اليأس من يومه وفقدان الثقة فى غده، لكن، وكما قال الدكتور مصطفى الفقى أمس، فإن «سلاح الإرادة الجماعية للمصريين أقوى من سلاح الكيماوى الذى يمتلكه البعض»، فكم تعرضت بلادنا لمحن وضغوط غير مسبوقة، وكانت مصر حية دائماً، فلم تستسلم أو تركع، ولن يحدث هذا مطلقاً، حتى ولو اجتمعت الإنس والجن على ذلك، لأن من يحفظه الله لا يروعه أياً من كان.

يريدون ليلقوا الرعب فى قلوب المصريين، يخططون بعناصرهم الإرهابية وميليشياتهم لاستهداف الكنائس مع رأس السنة الجديدة وأعياد الميلاد المجيد، لعل إخواننا الأقباط يرضخون ويتوارون عن الساحة مع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور.. لكن الله يحفظ بيوتاً يُذكر فيها اسمه، من عباد لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.. ومن قال «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» قادر على حفظها كما وعد، فإن وعد الله حق، لكن أكثر الناس لا يعلمون.

وتبث أمريكا سمها فى العسل، برسائلها الأخيرة لتحذير رعاياها فى مصر من موجة عنف جديدة مع اقتراب عطلات الأعياد.. صحيح أنها تؤكد، فى بيانها التحذيرى، أن «العنف المصاحب لمظاهرات أنصار جماعة الإخوان فى الجامعات أصبح مألوفاً»، لكنها تعود فتقول بأن «العنف متبادل بين المتظاهرين وقوات الأمن، أو المتظاهرين والأهالى، بصورة متقطعة».. وفى ذلك رسالة منها للخارج، بأن مصر لم تستقر بعد، ومازال الخطر يتهدد شوارعها وحياة الناس فيها، وكأننا لا ندرك أنه بالرغم من تغيير واشنطن لهجتها مؤخراً تجاه ما يحدث فى مصر، إلا أنها تظل الداعم الرئيسى للاضطرابات فيها، بأيدى عملائها، تركيا وقطر.. وكان حرى بنا أن نقف طويلاً أمام ما قاله جون كيرى فى عمان، من «أننا ننتظر ثورة ثالثة فى مصر، بعد أن سرقت جماعة الإخوان الثورة من شباب يناير»، وتناسى أن ما حدث فى يناير ويونيو كان ثورة شعب، انتفض فى الأولى ضد فساد مبارك، وفى الثانية ضد طغيان مرسى وجماعته.

هى حلاوة الروح، تعرب عن نفسها فى الجماعة، وفى الحلم الأمريكى بشرق أوسط جديد، ضاع من بين يدى واشنطن.. صحيح أن الإخوان نجحوا فى استغلال حماس الطلاب تجاه قضاياهم الشبابية، ونجحوا فى اختراق الجامعات، بهذه الخديعة تارة، وبإغراء المال تارة أخرى، لكنهم انهاروا تنظيمياً وشعبياً، ولم يعد منهم إلا المتأخونون أو المتواطئون، لم يعد لهم وجود فى الشارع.. وماذا تفعل المظاهرات دون أن يكون لها ظهير شعبى، بل وماذا نتوقع لها إذا كان هذا الظهير الشعبى أصبح عدواً لها؟!.. وسيأتى اليوم الذى يفيق فيه هؤلاء الطلبة، خاصة من كان منهم غير منتمٍ للإخوان، على أنهم سلكوا الطريق الخطأ، وساروا فى اتجاه لا يخدم إلا مصالح الجماعة ومطامحها، وبخاصة إفشال الدولة المصرية.

صحيح أن حلاوة الروح قد تهيئ لصاحبها أنه ربما فاز بالحياة إذا ما حاول التمسك بأهدابها، لكنها سرعان ما تدفع به فى اللحظة الأخيرة إلى الانتحار.. هكذا يفعلون، من العهد الملكى فى مصر، الذى حظر اشتغال الإخوان بالسياسة، وفى عهد الراحل جمال عبد الناصر، الذى قال عنهم «الإخوان مالهمش أمان» وأعلن جماعة الإخوان، جماعة إرهابية، مثلما كانت فى الماضى والحاضر.

نعم.. فمن يلقى بجارته من شرفة منزلها لأنها تؤيد الفريق السيسى فهو إرهابى، ومن يقتل جاره لنفس السبب فهو إرهابى، ومن يحاول اغتيال رفيق الأمس الشيخ ياسر البرهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، فى أحد مساجد المنوفية، فهو إرهابى، يحاول إسكات أى صوت غير صوت الباطل فى داخله.. فإذا كان الإخوان يرمون بالكفر كل من عارضهم، فما بال الحليف الذى يُعد أحد أقطاب التيار الإسلامى.. هو اختلاف المصالح، مع اتجاه حزب النور والتيار الإسلامى إلى التصويت بنعم على الدستور، ذلك الذى سيعيق الجماعة لما يزيد على العشرين عاماً القادمة، وذلك فعل يستوجب فى نظرهم قتل صاحبه، قاتلهم الله.

لقد انتقل الإخوان، دفعة واحدة، من مربع الشغب على السلطة الانتقالية، إلى مرحلة الشغب مع الشعب بأسره، وإثارة الفوضى فى جنبات الوطن، بتخويف الكل، ليس فقط من الإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاء على الدستور، وإنما من مجرد إبداء رأى مخالف لرأيهم!.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.