رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة المصير


أوشكت لجنة الخمسين لتعديل الدستور على الإنتهاء من عملها، تمهيداً لطرحه على الشعب خلال الشهر القادم، للاستفتاء عليه.. وبغض النظر عن الاختلاف حول مواد هذا الدستور، خاصة فيما يتعلق بنظام الانتخابات البرلمانية، بالقوائم أو الفردى، أو نظام الحكم، بين الرئاسى والبرلمانى أو المختلط، وغيرها، وما قد يراه البعض فيما تذهب إليه اللجنة الآن، من أنه يمكن أن يعود بنا للوراء زمناً طويلاً.. إلا أن ما أود طرحه هنا، هو مدى الاستعداد لإجراء الاستفتاء، ومدى إمكانية تحصينه ضد التزوير غير المباشر، خاصة ممن يرفضون هذا التعديل مسبقاً، وهم جماعة الإخوان، ومن يسير فى ركبهم من الجماعات والمنظمات، المرئية منها والخفية..

أول الغيث فى معركة الاستفتاء على الدستور، هو ما اعلنه د. ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، من أن «حزب النور قادر على إسقاط الدستور، إذا تم المساس بمواد الهوية الإسلامية»، وتجهز جماعة الإخوان وتحالف دعم الشرعية سيناريوهات لإسقاط الدستور وإفشال الاستفتاء عليه، بينما يذهب حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية التى لم تُقطع بعد ــ لتنظيم الإخوان المحظور، إلى رفضه التام للدستور، دون انتظار خروج مسودته النهائية للنور.. وذلك يعكس حالة التربص واستمرار المواقف غير المسئولة للجماعة المحظورة، وسعيها لعرقلة خارطة الطريق، والمعارضة من أجل المعارضة.. وإن كنت أستبعد نجاح الجماعة فى حشد أنصارها للتصويت بـ «لا» على الدستور، بعد تدشينهم حملة «باطل»، لأن حقيقة الإخوان انكشفت أمام المصريين، باعتبارهم جماعة إرهابية، عميلة للغرب، على حساب أمن الوطن، وحرية مواطنيه.

لكن دعونا نتساءل: ما الذى سيجرى إذا تم التصويت بـ «لا» على الدستور؟

الفقهاء الدستوريون يقولون بأن ذلك سيفتح باباً لتطورات خطيرة، تتمثل فى عودة دستور الإخوان، ويترتب على ذلك عودة مجلس الشورى السابق!.. ولتفادى الوقوع فى ذلك المأزق، يجب على رئيس الجمهورية المؤقت، إصدار إعلان دستورى مكمل، ينص على أن الدستور الذى تضعه لجنة الخمسين، دستور جديد وليس معدلاً، لتجنب عودة دستور 2012، وينص أيضاً على تشكيل لجنة لوضع دستور جديد، حال التصويت بـ «لا» على الدستور الذى يتم وضعه الآن، خلال خمس سنوات، نعود خلالها للعمل بدستور 1971، كدستور مؤقت للبلاد.

وعلى الرغم من تهوين الكثير من شأن الجماعة المحظورة وضعفها الحالى، والاتكاء على أنهم لن يحرزوا نجاحاً فى معارضة دستور لجنة الخمسين، وأن الشارع لن يجرى وراءهم، كما كان يفعل دائماً، لكنى تعودت على الاحتياط لكل شىء.. فمازال الوعى السياسى للمصريين بكراً، ومازالت أوتار العاطفة الدينية فى صدورهم، والتى يعزف عليها الإخوان، مشدودة، بل مازالت حاجة الكثيرين الماسة لبضع جنيهات وبعض من الدقيق والزيت والسكر، مما اعتاد الإخوان على توفيره، استغلالاً لحاجات فقراء الناس فى القرى والعشوائيات.. ولكن..

يبقى الخلاص، فى وحدة الصف السياسى بين الأحزاب والتيارات المختلفة، باعتبار أن معركة الدستور، معركة مصير الوطن والناس جميعاً، بما فيها هذه الأحزاب والتيارات، تستدعى الحشد والتكامل فيما بينها، وتنظيم الجهود، التى يفلح فيها الإخوان دائماً، وتفتقدها هذه الأحزاب.. عليهم توعية المواطنين، فى المحافظات بالذات، وفى حملات مكثفة، توضح الفرق بين دستور ثورة 30 يونيو وبين دستور الإخوان، وتبصرهم بأن الجنة والنار هى من أمور الآخرة، والسياسة هى من أمور الدنيا، ولا تماس بينهما، وأن الحقوق والواجبات التى أقرها دستور لجنة الخمسين، أفضل بكثير مما جاء به الإخوان، واستعينوا بشخصيات مؤثرة فى الشارع، لها صدى ويمكن أن يثق فيها المواطن.

يقيني.. أن الشعب الذى خرج بالملايين فى 30 يونيو و3 يوليو، وفوض الجيش لمحاربة الإرهاب فى 26 يوليو، سيخرج لاستكمال خارطة المستقبل، والتى تمثل صياغة الدستور الجديد أول بنودها، وسيشهد الاستفتاء عليه مشاركة غير مسبوقة، بشرط ألا تغيم الرؤية فى عيون الناس، وألا يسمعوا عن خلافات بشأن مواد هذا الدستور.. ربما تكون بوازع من مصالح شخصية، ونحن لا نعلم.