رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعددت الجرائم.. والقاتل معلوم


تعددت المشاهد والمعنى واحدٌ.. فعندما يغيب الضمير، فكل شىء مباح، من أصغر الذنوب حتى أكبر الكبائر، فما بالنا وقد سادت عقيدة غياب المحاسبة، «وعاوز حقك، خذه بيدك»!.

على طريق السيناريو السينمائى، تعالوا نقرأ ملامحاً من غياب الضمير الإنسانى، وعجز النفس عن مقاومة غواياتها.. وأخشى أن يكون الله ابتلانا بما نحن أهله، وكان أول الابتلاء، حكم الإخوان لنا، ثم دارت الدوائر بنا، لنصل إلى منتهى الحكاية..

■ المشهد الأول..

مدرس أول اللغة الإنجليزية يختلف مع زميل له فى مكتب مدير المدرسة على توزيع جدول الحصص.. يتصاعد الشجار بينهما، فيخرج المدرس مطواة قرن غزال من بين طيات ملابسه ويسدد عدة طعنات نافذة فى جسد زميله، ليقع على الأرض غارقاً فى دمائه!.. يسأله وكيل النيابة: هل يُعقل أن يحمل مُعلم سلاحاً أثناء ذهابه إلى المدرسة؟.. يرد المدرس: بلدنا ما فيهاش أمان، وما حدش بيجيب حق حد، ولازم كل واحد يجيب حقه بنفسه!

■ المشهد الثانى..

أحمد شعبان، طالب جامعى فى الثالثة والعشرين من عمره.. يعترضه ثلاثة أشقاء خلال عودته إلى مسكن أسرته بشارع خاتم المرسلين فى الهرم.. حاول أحد الثلاثة الإمساك به وقتله لخلافات بينهما، لكن الطالب أفلت من بين يديه وحاول الجرى لمواصلة الهرب، لكن الجناة باغتوه بطلقات الخرطوش فى ظهره، ليسقط على الأرض مضرجاً فى دمائه.. لم يكتف الأشقاء «الأشقياء» بذلك، بل انهالوا عليه طعناً وتقطيعاً لجسده، بسيف وسكين وساطور، حتى فارق الحياة، ولاذوا بالفرار، والمارة مذهولون، وقد اختبأ كلٌ منهم فى مكان يحميه من البطش!

■ المشهد الثالث..

عَلِم الشاب أن والد صديقه قد أرسل إليه مبلغاً من المال لشراء قطعة أرض.. ولما كان الشاب يعانى ضيق العيش، بعد أن جاء إلى القاهرة نازحاً من قريته فى محافظة قنا، فقد خطط للاستيلاء على أموال صديقه، ليتخلص من الفقر الذى يحياه.. اتفق مع قرناء الشر، ودعا صديقه لقضاء اليوم معه، وعندما وصل إليهم، أوثقوه وطلبوا منهم مفاتيح بيته ليذهبوا فيستولوا على ما فيه من أموال، وعندما رفض ضربوه على رأسه حتى مات.. تركوه غارقاً فى دمائه وذهبوا إلى البيت، فوجدوه خاوياً إلا من جهازى موبايل، باعوا أحدهما بخمسة وثلاثين جنيهاً فقط، قبل إلقاء القبض عليهم!.. أمام وكيل النيابة، قال المتهمون الثلاثة «موتنا صاحبنا علشان ملاليم»!.

■ المشهد الرابع..

احتدمت الخلافات بين الرجل وزوجته، فأراد أن ينهيها على طريقته.. انتظر حتى خلدت أسرته إلى النوم، وسكب كمية من البنزين فى جميع أركان شقته وأشعل النيران فيها، وبمشاعره المتحجرة والغضب الذى أعماه، وقف ينتظر حتى وصلت النيران إلى حيث ينام أولاده الثلاثة وزوجته.. أبلغ المستشفى النيابة عن وصول جثتى ابنيه متفحمتين، وقد أصيبت الابنة والزوجة بحروق شديدة، بينما أتت النيران على كامل محتويات الشقة.. ومازال الأب الجانى طليقاً!.

■ المشهد الخامس..

العثور على جثة صبى ملقاة داخل إحدى الزراعات بقرية تابعة لمركز المحلة الكبرى، يدفع رجال المباحث لمحاولة حل لغزها.. عاطلان كانا وراء الجريمة، طمعا فى الاستيلاء على توك توك كان الصبى يعمل عليه لمساعدة أسرته، لبيعه والإنفاق من ثمنه على ملذاتهما.. طلبا منه توصيلهما إلى منطقة الزراعات.. هناك، جذباه عنوة إلى داخل الزراعات وقاما بذبحه وسرقا التوك توك.. لكن عين الله لا تنام.

■■■

هذه مشاهد من صفحة حوادث واحدة، فى جريدة واحدة، فى يوم واحد.. والصفحات تترى كل يوم بأخبارها، مفجرة فى وجوهنا السؤال: ما الذى حدث فى مصر؟.

نعم.. خُلِقت الجريمة منذ ولدى آدم، قابيل وهابيل، لكن عطباً ما أصاب نفوسنا، حرك فينا شهوة القتل، ونزع فتيل الإنسانية من داخلنا.. ماتت فينا نوازع الخير، لتنبت بذور الشر، حتى أينعت وصارت تمشى على قدمين.. اللهم الطف بنا.. آمين.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.