رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولات اللحظة الأخيرة


أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إلى القاهرة، قبل يوم واحد من بدء محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى، كثيراً من اللغط حول أسباب الزيارة التى تعد الأولى له منذ عزل مرسى فى 3 يوليو الماضي.. قال البعض إنها ربما جاءت فى هذا التوقيت، محاولة من الولايات المتحدة لتأجيل محاكمة المعزول،

إفساحاً لأمل البيت الأبيض فى حوار بين الدولة والإخوان، يمكن أن يُفضى إلى تهدئة الشارع وإنهاء حالة العنف التى تربك بعض أرجائه، خاصة فى الجامعات.. لكن، وفى كل الأحوال، فإن سوء تقدير الظرف الزمنى هو الذى ألقى بظلال الشك على الزيارة، ولم تفسرها الأكثرية على وجهها الطيب، إن كان لها هذا الوجه، وكان بإمكان المسئولين الاعتذار عن هذا الموعد لآخر لاحق، والحق كان معهم ولا يدعو للحيرة، على الأقل كنا قد تجنبنا سوء تأويل أسباب الزيارة.

وفى الوقت الذى يؤكد فيه البعض، أن موعد الزيارة جاء - بمحض الصدفة - متزامناً مع عشية بدء محاكمة مرسى، إلا أن كيرى لم يأت محيياً الشعب المصرى على ثورته، ومقرراً أن المصريين هم من يقررون مستقبلهم فحسب، بل انضوت زيارته على تسليم الولايات المتحدة بمحاكمة مرسى تحت كل التهم، لكن رجاءً حملته الزيارة إلى كل من بيده الأمر فى مصر، بألا تتعرض المحاكمة إلى اتهام مرسى بالتواطؤ مع البيت الأبيض وتعريض الأمن القومى المصرى للخطر، بما كان مقرراً أن يتم على أراضيها لو استمر حكم المعزول.. ولم يأت طلب جون كيرى بذلك من أجل عيون مرسى، بل لأن بلاده تحاول ــ قدر المستطاع ــ إيقاف الانهيار السريع للصورة الأمريكية الإيجابية، فى نظر السواد الأعظم من الشعوب العربية، والتى تجلت مؤخراً وأبرزت القبح الأمريكى، وكم الشر الذى تريده الإدارة الأمريكية بهذه الشعوب، ورغبتها فى تفتيت دول المنطقة إلى دويلات وإغراقها فى حروب أهلية على مرجعيات طائفية ومذهبية وعرقية، وغيرها من نوازع الخلاف التى تغذيها المخابرات الأمريكية ونظراؤها فى الغرب وأطراف من الشرق الأوسط والمنطقة العربية، خدمة للكيان الصهيونى، وسيطرة من واشنطن على مقدرات المنطقة وثرواتها، وبخاصة البترول.

نعم.. لم يعد مرسى وجماعته «كارتاً» رابحاً فى يد الأمريكان، بل أكثر من ذلك، إنهم باتوا لأمريكا كالسحر الذى انقلب على الساحر، وقد بدا واضحاً أن الولايات المتحدة خسرت كثيراً من وراء تحالف أوباما وحكومته مع جماعة الإخوان، كما بدا لهم أن الوقوف فى وجه الإرادة المصرية هو نوع من الانتحار السياسي.. ومن هنا جاءت لهجة كيرى، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده مع نظيره نبيل فهمى، على غير عادة كيرى نفسه فى الحديث عن مصر، وربما أقول إنها نوع من الاستسلام الأمريكى للواقع المصرى، الذى لم يعد فى مقدور أحد، حتى ولو كانت أمريكا، تغييره.. مع أن كيرى مازال يمارس خبث الساسة، حين قال إن «هناك مؤشرات على أن قادة الجيش المصرى مستعدون لإرساء الديمقراطية»، وهو الذى يعلم أن الجيش هو من حمى الإرادة الشعبية المصرية فى ثورتها على حكم الإخوان، وأن الشعب هو من سيرسى قواعد هذه الديمقراطية بحماية من جيشه وشرطته، لأن «مصر تتحرك لتحقيق خارطة الطريق، وعلى الجميع أن يعمل من أجل ذلك»، ويعلم كيرى أيضاً - كما قال -إن «الشعب المصرى أثبت للعالم مدى قوته وعزيمته، وهو من يعمل على تحقيق النتائج المرجوة من المرحلة الانتقالية».

على أنه، ما كان لوزير خارجيتنا، نبيل فهمى، أن يمرر دون تعقيب منه، ما قاله كيرى من أنه «اتفقت مع الوزير فهمى على ضرورة إعطاء المصريين الحق فى محاكمات عادلة وشفافة، ومحاكمة المدنيين أمام محاكم مدنية»، فى إشارة منه إلى محاكمة مرسى وقيادات الإخوان، وكأن ذيل الحية مازال يلعب، بالرغم من قطع رأسها بعصا شعبنا الغليظة.. وكان الأولى بفهمى أن يؤكد فى ذات المؤتمر الصحفى الذى شهده العالم - أن قضاءنا نزيه، لا أحد يتدخل فى مجرياته، وأن العدل هو أساس الحكم الذى قامت عليه الدولة المصرية.. وبخاصة الآن.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.