رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العبور والدستور.. «1»


يلاحظ القارئ العزيز أننى بدأت سلسلة مقالاتى الأسبوعية مخاطبا قراء الدستور حول دستور مصر المعدل أو الدستور اللائق لشعب عريق يستحق أن يجنى ثمار كفاح وصبر واحتمال، وأن من حقه أن يفخر بدستور يحقق له الحريات الأساسية والحياة الإنسانية والأمان على حياته وممارساته،

والضمان لحفظ كرامته بما يتوافق مع تاريخه العريق الذى يتدارسه الأطفال حول العالم حتى أكثر الدول تقدما وأقدمها تاريخاً متزامنين مع التاريخ المصرى، إلا أن السادس من أكتوبر الذى يتميز عن أى أكتوبر آخر بعد أكتوبر العبور فالتغيرات السياسية وهموم مصر والمصريين فى السنوات العشرة الأخيرة ألقت بظلالها على السادس من أكتوبر، حتى أن أحد المواطنين لم يتذكر من أكتوبر إلا «كوبرى أكتوبر»، وإنى أعذر المواطن، فليسن الذنب ذنبه، ولكن المسئولية الأكبر تقع على كل مسئول ساهم فى محاولات طمس هويتنا وتحطيم الرموز وإثارة الغبار ونثر الرمال على تاريخنا.

وشاءت الأقدار بل بتدخل العناية الإلهية أن تتغير الأحوال مع تضحيات وهجمات ما كان لها أن تحدث، ولكن لله حكمته، وما لنا أن نعترض على مشيئته، إذ لا رد لقضائه، وأنا أكتب هذه السطور وتحديدًا فى الساعة الثالثة والربع من نهار السادس من أكتوبر، أسمع التصادم الذى يجرى فى ميدان التحرير وإطلاق النيران ليس لاحتفال الشعب - كل الشعب - والجيش والشرطة، ولكن للاعتداء على المحتفين بالمناسبة وللأسف بين مصريين وإخوتهم حتى يطفئوا بهجة الاحتفال، والسؤال هل هذا التصرف يمكن صدوره من مصريين ليقاتلوا إخوتهم وجيرانهم، وهل يتخيل المهاجمون كيف يرانا العالم ونحن نتقاتل فى مثل هذا اليوم، ومن يتذكر كيف كنا قبل حرب أكتوبر، وكيف اجتمع الشعب على قلب رجل واحد، حتى الجرائم اليومية العادية كالسرقات والمشاجرات والمخالفات انحدرت معدلاتها حين توحدت القلوب والعقول والعيون أملاً فى الانتصار وتحرير الأرض والشعب والإرادة.

نعم أكتب هذه السطور قبل الاستعداد لحضور الاحتفال القومى بذكرى السادس من أكتوبر تلبية لدعوة السيد الفريق السيسى، والذى أرجو أن يمر الاحتفال بسلام، ولكننى لم يشغلنى الاحتفال عن الهم الكبير بالخروج من الصف الوطنى، والعدوان بهدف إفساد الفرحة وتعكير البهجة التى عمت مصر من أقصاها إلى أقصاها، ولأننى وعدت قارئى أن أوافيه بأخبار الدستور، حيث تنشغل لجنة الخمسين، حتى أنه فى اليوم المتميز وهو يوم السادس من أكتوبر أتابع لجنة الصياغة التى تعكف على عملها لتواكب الكم المنتج من اللجان المتخصصة فى أجزاء الدستور المرتقب.. إننى متفائل، وأرجو أن أستمر كذلك حتى مع التطورات الإخبارية التى أستمع إليها، ولكن أطمئن قارئى أننا لن نتنازل عن تقديم دستور يليق بأبناء مصر وجيش أكتوبر العظيم.

أما المتابعون لأخبار الدستور وموقف المسيحيين من المادة الثالثة حيث قدمتها لجنة الخبراء على النحو التالى:- مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية، وقد صاغ هذه المادة فى الأصل أعضاء اللجنة التأسيسية الماضية أو لجنة المائة.

وجاءت لجنة الخمسين لتكرر المادة بذات الصياغة ومع أن هذه المادة لا تضيف كثيرا لأى من المسيحيين أو اليهود حيث تشير المادة إلى الأحوال الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم ومن الناحية العملية، فالأوضاع كانت على هذا المنوال ولم يتدخل أحد فى هذه الأمور الخاصة بهم فلم تشر مثلا إلى حرية بناء دور العبادة ولا إلى قانون المواريث أو غير ذلك من الموضوعات التى نراها شأناً عائليًا وحقًا طبيعيًا.

أما اختلاف الرأى حول ما تضمنته المادة الثالثة فى شأن قانون الأحوال الشخصية من زواج وطلاق واختيار الرئاسات الدينية، فإننا نرى قصرها على المسيحيين واليهود فقط من تمييز إيجابى نراه تعسفا ضد أى فئة أخرى من مواطنين مصريين قد لا يكونون من بين هذه الفئات.

لهذه الأسباب فقد رأت غالبية اللجنة المختصة أن تعيد صياغة المادة الثالثة على النحو التالى:- مبادئ شرائع المصريين من غير المسلمين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الدينية والروحية.

إننا نأمل أن تتوافق اللجنة العامة (لجنة الخمسين) لإقرار المادة بهذا الوضع حتى لا نكون مصادرين لحريات الآخرين أما المتخوفون من إساءة الحرية فإننى أطمئنهم بأن الشعب المصرى متدين بطبيعته وتاريخه ووسطيته وقيمه المجتمعية وتقاليده الموروثة ثم يبقى الضمان للمتخوفين والمتشككين فى القوانين الوضعية المنظمة التى ترخص للأنشطة وإقامة الأبنية وقوانين الاحتفالات وكلها ضامنة لأى انفلات أو إساءة استخدام أى من الحقوق وللمتخوفين من الانفلات الأخلاقى أو ممارسة طقوس تعبدية منافية للأخلاق أو الآداب العامة كما نسمع المتخوفين بسردهم أمثلة عبدة الشيطان أو ممارسة طقوس منافية للأخلاق أو المبادئ الاجتماعية فنطمئنهم بأن الدستور لا يطبقه الجميع وإنما الدستور هو خارطة طريق للمشرع الذى يضع القوانين ومع الفرض أن جماعة أو حتى فرد طلب تشريعًا يبيح ما لا يتوافق مع السلوك الطبيعى فلأى مواطن أن يطعن فى التشريع لمخالفته للآداب العامة وتقاليد المجتمع كما يتعارض مع المادة الثانية، إذ لا يعقل أن مثل هذه القواعد المطلوب تشريعها تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وهى مادة حاكمة تتصدر الدستور إذ لا داعى من هذا التخوف حتى لو افترضنا أن المشرع اتجه إلى تقنين أوضاع شاذة أو عادات وتقاليد وممارسات لا تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا فرض مستبعد بل ومستحيل.

وفى ختام هذا المقال أتساءل كيف يخشى أى فريق من المواطنين تصور تقنين أوضاع أو تقاليد شاذة غير مقبولة من المجتمع فى غالبيته.. ولهذه الأسباب نقول إننا نطلب من كل الأخوة المشاركين فى إصدار التعديل الدستورى ألا يترددوا فى فتح نوافذ الحرية مع ضمانات حقيقية ليست بالمنع والتحريم لكن بالفكر والثقافة والمدرسة والمسجد والكنيسة وعلى الأسرة الواجب الأولى والأهم فى التربية والقدوة والسلوك ومعا نبنى مجتمعنا ونحرر إرادة المجتمع دون إكراه أو تدليل بل بالفكر والموعظة الحسنة.

وقبل نهاية يوم السادس من أكتوبر كان ختامه بحفل القوات المسلحة حيث التقت جماهير الشعب من كل أطيافه بدعوة كريمة من وزير الدفاع وقائد جيش مصر العظيم الفريق السيسى على مدرج نادى القوات المسلحة، إذ التقى عدد كبير من نساء ورجال مصر، مع قادة الجيش، للاستمتاع بالمنوعات الجميلة، والعروض الرائعة فيه. والكل يرجون لمصر التقدم والازدهار، والأمن والأمان، قوية بجيشها، رافعة الرأس بحضارتها، وكما اعتاد الفريق السيسى أن يدعوها أم الدنيا.. وإلى اللقاء مع دستور مصر المرتقب.