رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفجيرات الحور العين


كانت الليلة صعبة جدًا.. بشعة.. النيران التى اشتعلت أحرقت القلوب.. التفجير فجر مشاعر الغضب الممزوجة بالوجع والصدمة والرعب.. حريق عند معهد الأورام، هكذا كانت بداية تناقل الخبر الأسود، ثم بدأت الأخبار تتناقل من هنا وهناك لتؤكد بين كل لحظة أن هناك أشلاءً متناثرة على الأرض أمام المعهد، وضحايا وقعوا فى النيل من شدة الانفجار، وكانت كل المؤشرات تقول إنها قنبلة.
كانت الصورة تتضح مع مرور الوقت أنه تفجير بسيارة مفخخة، حتى حسم بيان وزارة الداخلية الأمر فى اليوم التالى بأن سيارة كانت تسير عكس السير وتحمل كمية من المتفجرات شديدة الانفجار وراء ما حدث، وأن حركة حسم، الذراع المسلحة لجماعة الإخوان وراء الحادث.
يا ترى بماذا كان يفكر قائد هذه السيارة وهو فى طريقه للانفجار؟.. وسط الحزن والدموع على الضحايا وجدت نفسى مشغولة بهذا الكائن الشيطانى.. والذي كشفت عنه وزارة الداخلية بعد أيام قليلة بجهد وكفاءة ودقة تجعلنا فخوريين برجال الأمن.. وهو عبد الرحمن خالد وإسمه الحركي معتصم.
 كيف أقنعوه أن يفعل ذلك؟ يفجر نفسه ويقتل الأبرياء.. كيف كانت حياته وتربيته وأخلاقه ونفسيته؟ هو شابًا فى مقتبل العمر مواليد 18 إبريل 1995 أي أن عمره 24 عاما، والغريب أن الفيديو الذي نشرته الوزارة يظهر فيه الإرهابي وهو يودع أسرته قبل الحادث بيوم، وتظهر أمه المنتقبة وقد تكون علي علم بسبب الوداع فيبدو أن الشاب تربي بين أسرة متطرفة أصلا.. فهو بالطبع مقتنعًا بفكرة أن الإسلام هو الحل والدولة اإسلامية وغير ذلك من الأفكار المتطرفة وخاصة أنه من الفيوم أحد معاقل التطرف، لأن من ينفذون العمليات الانتحارية ليسوا مأجورين يتقاضون أموالًا، حيث إن الذين يتقاضون الأموال وهم كثر أيضًا لا يضحون بأنفسهم وينفذون عمليات انتحارية، بل يفجرون عن بعد أو يقومون بهجمات من نوع آخر مثل فتح النيران والهجوم بالأسلحة وزرع العبوات الناسفة وصنعها، كما حدث فى مسجد الروضة وبعض عمليات استهداف رجال الأمن والمسئولين، ولذلك هذا الشاب تشرّب فكرة تكفير المجتمع، وأن موت الكفار يرضى الله ورسوله والمؤمنين، وأنه بذلك يدخل الجنة من أوسع أبوابها، فهو شهيد الإسلام، وحور العين الأربعون فى انتظاره ليتذوق ما لذ وطاب من النساء، وفكرة الحور العين يبدو أنها أكثر إغراء عند الانتحاريين، لأن لسبب ما كل المتطرفين عندهم مشكلة مع الجنس والنساء، ولديهم شراهة كبيرة للنساء ربما بسبب المحاذير التى وضعوها على أنفسهم بعلاقتهم بالمرأة، والتى ترى المرأة عورة فى المقام الأول وهو ما يخدم أهدافهم دائمًا، رغم أنهم فى حقيقتهم أكثر البشر فسادًا، والمرأة عندهم ليست لها أى أهمية سوى ممارسة الجنس فقط، لذلك فهم ينظرون للمرأة بدونية شديدة، وهو عكس نظرة الدين الإسلامى للمرأة تمامًا، وهو الذى يعد أكثر الأديان السماوية احترم المرأة وكرمها ورفع من شأنه، بدليل وجود سورة فى القرآن الكريم باسم امرأة وهى سورة مريم.. ولكن هل لقاء الحور العين ثمنه كل هذه الدماء؟!
يبدو أن إرهابى معهد الأورام كان متحمسًا للغاية للقاء الحور العين.. سواء كان قاصدًا معهد الأورام أو هدفًا آخر.. فقد ذهب بعض الخبراء إلى فرضية أخرى وهى أنه كان هناك تخطيط لتفجير هدف أكبر مثل سفارة أو موكب وزير مهم، وأنه كان يسير عكس الاتجاه بسبب التوقيت، تفاديًا للزحمة والإشارات والكمائن وشوارع الاتجاه الواحد فى منطقة وسط المدينة الحيوية، ولكن التوقيت لم يضبط معه، وانفجرت العبوات الناسفة قبل ميعادها فحدث ما حدث.. وهناك أيضًا خبراء آخرون يقولون إن الهدف كان معهد الأورام نفسه، لأن تفجير السفارات أمر صعب للغاية بسبب التأمين وأجهزة كشف المتفجرات التى تكشف عن أى جسم غريب فى محيط السفارات، وأن تفجير موكب وزير أو مسئول كذلك أمر ليس سهلًا، حيث إنه من الصعوبة بمكان ضبط التوقيت مع مرور الموكب.. وأنه كان يسير عكس الاتجاه لتفجير معهد الأورام، حيث الجسر الذى يربط بين منطقة المنيل ومكان التفجير اتجاه واحد، وإذا لم يفعل ذلك لاستهلك وقتًا أطول ومجهودًا أكبر ونفد منه الوقت المحدد للتفجير، فهو اختصر الطريق حتى يصل أمام المعهد فى الوقت المناسب. كل الأسباب والتوقعات واردة فى مثل هذه العمليات وإن كانت فرضية إستهداف مكان أخر غير معهد الأورام الأكثر منطقية.. فهؤلاء القوم يكفرون الناس والإخوان تحديدًا يريدون الانتقام من الشعب، ويعيشون على تغذية فكرة الثأر من المصريين الذين ثاروا عليهم، وعزلوهم من الحكم بعد عام واحد فقط، كما أنهم لديهم رغبة مستمرة فى تفعيل الاضطرابات فى البلاد كلما شعروا باستقرار الأوضاع.. فى كل الأحوال هذا الشخص كان متحمسًا لإيذاء نفسه وإيذاء الآخرين.. قال لى طبيب نفسى إنه أحيانًا مدبرو العمليات الانتحارية يعطون المنفذ حبوبًا مخدرة مثل الترامادول أو حبوب الهلوسة، حتى يخمد أى انفعال بداخله من شأنه تعطيل العملية، مثل الرهبة والخوف من الموت فى لحظة تجعله يتراجع عن تنفيذها، فالحبوب المخدرة تجعله متبلدًا لا يشعر بشىء ولا ينفعل.. وأعتقد أنهم يدرسون شخصيات المنفذين جيدًا، حيث لا يتم اختيارهم عشوائيًا، ويعلمون شخصية كل فرد من هؤلاء وإذا كان يحتاج لهذه الحبوب أم لا.. وفى كل الأحوال يصلون عليه قبل ذهابه للعملية ويغسل مثل تغسيل المتوفى بالضبط.. ولكن الشخص نفسه كيف يقتنع بكل ذلك وأنه ذاهب إلى الجنة، حيث العيش فى نعيم ورغد والتمتع بنسائها.. أعتقد أنه نفس المنطق الذى به يقتل الإرهابيون الجنود فى شهر رمضان وهم صائمون.. صحيح أنها ليست عمليات انتحارية فى أغلبها، ولكن بمنطق أنه يقدم خدمة للرب ويجاهد فى سبيله وهو صائم «إذا كان صائمًا» ويطمع فى المقابل.. فقد أصدر الدواعش فتوى بالإفطار فى رمضان أثناء الجهاد، أى القيام بعمليات إرهابية. غالبًا الانتحارى يكون صغيرًا فى السن حتى تسهل عملية السيطرة عليه وغسل مخه بالكلام عن الجهاد والإسلام والكفار والنعيم ونساء الجنة، فيكون مستسلمًا تمامًا لهذه الأفكار ويصبح عبدًا للتطرف وأمير الجماعة.. لأن الله لم يأمره بقتل الأبرياء والنساء والعجائز والأطفال حتى فى الحرب.. لذلك يحتاج الدين الإسلامى لتصحيح المفاهيم كافة وخاصة الملتبسة.. يحتاج لعلماء حقيقيين يلتزمون بتعاليم القرآن فقط، وليس السنة، لأن القرآن ثابت ليس فيه تبديل أو تأويل، إنما أحاديث النبى الكريم تبدلت وتغيرت كثيرًا وقيل على لسانه ونقل عنه ما لم يقله أو يفعله، ومن هنا جاءت الكارثة الكبرى التى تسمى بكتب التراث المليئة بالأكاذيب والضلال، فهى بمثابة العبوات الناسفة والقنابل الحقيقية.