رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: العدل بين السماء والأرض


طرحت سؤالًا، على صفحتى الشخصية فى الفيسبوك، خاصًا باسم من أسماء الله الحسنى وهو «العدل».. وفكرة العدل فى الحياة «كيف يكون اسم الله هو العدل والحياة ليس بها أى عدل؟!»، إجابات الأصدقاء كانت كثيرة ومختلفة، ومنهم من وصف السؤال بأنه محير، ولكن الإجابات فى الحقيقة كانت كافية لتعبر عن وجهة الناس عن فكرة العدل، أيا كانت درجة إيمانهم، العدل الإلهى والعدل على الأرض بين البشر.

منهم من قال إن العدل صفة ربانية إلهية لا تسمو لها أى نفس بشرية، ومنهم من قال لأنهم بشر لا يعرفون الله، وأحدهم قال إن العدل الإلهى موجود ولكن الحياة تدور بأفعال البشر، وبالطبع هناك من رفض التساؤل من الأساس، قائلا إن هذا هو قمة العدل، لأن كل إنسان يأخذ على قدر ما يستحق، ومن يظن أنه مظلوم قد يكون ظالمًا دون أن يدرى، وأن الله يعاملنا بفضله وليس بعدله.
ومنهم من قال إنها اختبارات ربانية، وإن التساؤل مرعب وعميق ومحير، وتقريبا رغم اختلاف الآراء، لكن الجميع اتفق على أن العدل لا يحققه البشر، بل يحققه رب العالمين فقط وله فى ذلك حكم.
نعم هو بالفعل سؤال محير، من يتابع عن قرب أحوال المحيطين به، أو يستمع لحكاوى الناس، سواء فى زمننا أو عبر أزمنة أخرى، يجد نفسه أمام هذا السؤال، معظم إجابات الأصدقاء عن هذا السؤال كانت تقول إن العدالة فى السماء وليس لها مكان على الأرض، لأن البشر هم من يتحكمون فى الأرض، الله عادل ولكن البشر غير ذلك، فقد قال الله تعالى فى القرأن الكريم: «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» سورة النساء الآية ١٢٩، والتى قال فى تفسيرها الأئمة إن الإنسان يتحرى العدل، ويجتهد فى تحقيقه، وقد يفوته بعض الشىء.. صحيح أن الآية الكريمة خاصة بالجمع بين النساء فى الزواج، ولكنها إشارة إلى صعوبة تحقيق الإنسان العدل، الإله عادل ولكن الإنسان ليس عادلًا، لذلك قال الله سبحانه وتعالى له: «ولن تستطيعوا أن تعدلوا».
فكرة تحقيق العدل فكرة فى غاية الصعوبة، أعرف حالات من البشر تركوا أعمالهم لشعورهم بأنهم لن يستطيعوا إقامة العدل.. والعدل اسم من تسعة وتسعين اسمًا لله عز وجل، وصفة من صفاته، وهو الإنصاف وإعطاء المرء ما له وما عليه، والله يأمرنا به فيقول سبحانه وتعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون» ويقول أيضا: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل».. ولكننا هل نفعل ما يأمرنا به عز وجل فيما يخص العدل؟.
الحياة ليست عادلة.. غالبية البشر مع تفاوت درجات إيمانهم ومعتقداتهم يقرون هذه الحقيقة، نرى فى حياتنا مظاليم تظهر حقيقة ظلمهم بعد موتهم بعشرات السنين، بعد أن يقضوا عمرهم فى ذل وقهر، وأحيانا فى عار وفضيحة دون أن يرتكبوا شيئا، يظهر الحق بعد موتهم، ماذا كسبوا إذن، طبعا ستحدثنى عن نعيم الآخرة والجنة، سأقول إنها أشياء فى علم الغيب، لا يعلمها غير الله العليم، جائزتهم تكون فى الآخرة، سأعترف أنا أيضا بذلك، ولكنه شأن آخر، شأن الآخرة التى لم يدركها أحد، ونحن نعيش فى الحياة الدنيا، وعندما تظهر الحقيقة بعد موت الشخص سأقول فى نفسى لأننى إنسان لست ملاكًا ولا إلهًا، ماذا استفاد الآن، لا أعرف كيف يشعر؟، هل يرانا ويسمعنا ويدرك أن الجميع عرف أنه كان مظلومًا، أم لا؟، وإذا كانت الأرواح تشعر هل يوجد فارق بالنسبة له أم لا؟.
نرى أناسًا فى الحياة أخذوا منها ما لا يستحقون، أشرارًا، أنانيين وفيهم العبر، والدنيا أعطتهم كل شىء وكأنها تكافئهم على طغيانهم، وآخرون سلبتهم كل شىء رغم طيبتهم ونبلهم وكأنها تعاقبهم على إنسانيتهم، نرى الدنيا تعطى لبشر كل شىء، وتأخذ من آخرين كل شىء أيضا، وعندما يضعفون ويخطئون بسبب الحاجة، لا يغفر لهم المجتمع الجرم، صحيح أن الله غفور رحيم، ولكن المجتمع ليس غفورًا رحيمًا.
يقولون.. أحيانا عندما تبحث عن شىء لن تجده، وعندما تتجاهله أو تكف عن البحث عنه يأتى هو إليك، هل هذا هو العدل؟ فهذا وحده كافيا لنعرف أن الحياة ليست عادلة، فقد يأتى الشىء بعد فوات الأوان وفوات الرغبة فيه.
وعندما تريد شيئًا ويتحقق لا بد وأن تأخذ أمامه الدنيا شيئًا آخر، هناك من قضى حياته فى فقر وعوز، وعندما ينتصر على الحياة وتبتسم له الدنيا، يبتلى بمرض شديد ينغص عليه حياته ويعذبه فيما بقى له من عمر، فيكون النصف الأول من عمره فقرًا والنصف الآخر مرضًا، وهناك من يعيش عمره فى انتظار تحقيق أمنية ما وعندما تتحقق بعد وقت طويل، يفقد أمامها شيئًا ثمينًا.
وأعتقد لذلك قال تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجًا»، لأن الله يعلم صعوبة تحقيق العدل فى الحياة، قال سأجعل لك مخرجًا، سأنقذك، لأن البشر لا يعتمد عليهم فى الحق والعدل، ولكن عليك أولا أن تتقى وتصبر ولا تنجرف للشر والأذى والفساد، فهو شرط الإنقاذ والمخرج.. لذلك الله عدل، هذه حقيقة لا ريب فيها، وما كتبته لا أقصد به الله عز وجل، ثقتى فى الله ليس لها حدود، وأعلم أن الله يحقق عدله كيفما يشاء فهو الحكيم العليم، يؤخر الثواب والعقاب للوقت الذى يراه مناسبًا، قال لى صديق زمان «ربنا مش ناظر، اللى يغلط يقوله إفتح إيدك ويضربه، هو يمهل ولا يهمل»، لذلك أنا قصدت البشر الذين لا يطبقون العدل فى الحياة وإذا رغبوا كثيرا لا يستطيعون، رغم أنه اسم الله.. العدل فى السماء وليس على الأرض، لأننا من يسكن الأرض.