رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: بعزة الأنفس


فقد الكرامة يجعل الشخص فعلًا رخيصًا لا يتورع عن عمل أى شىء مشين يفرط فى نفسه فى جسده فى قيمه يبيع الغالى بالرخيص

الكرامة والكبرياء وعزة النفس.. لا أفهم من يفرط فيها وأخشى غدره، فمن لا كرامة عنده لن تجد فيه خيرًا.. أشعر دائمًا بأنها نعمة من المولى عز وجل، وبصراحة شديدة أفقد الثقة فى أى شخص ليست عنده كرامة، لأن الشخص الذى يفرط فى كرامته يصبح لا عزيز لديه ولا غالى ومن الممكن أن يضحى بأى شىء وأى شخص فى أى وقت، «يبيع أى حد من الآخر»، فليس عنده مبدأ ولا ضمير، الكرامة حصن حصين يصون الإنسان ويمنحه القوة، يجعله جديرًا بالاحترام والمحبة، ومنْ يرض بالإهانة يفقد احترامه لنفسه، ويصبح عنيفًا تجاه الآخرين، لأنه فى داخله ربما لا يرضى بحاله.
هى أشياء لا تشترى، لا يعوضها مال أو جاه، فماذا ينفع إذا كان الإنسان رخيصًا، فإن فقد الكرامة يجعل الشخص فعلًا رخيصًا، لا يتورع عن عمل أى شىء مشين، يفرط فى نفسه، فى جسده، فى قيمه، يبيع الغالى بالرخيص، يتخلى بسهولة عن أى شىء، كما أن فقد الكرامة يجعل المرء هشًا وضعيفًا ومعرضًا للكسر، فالكرامة هى الحماية وإذا فقدها الإنسان تهشّم، فإن عزة النفس لا تعنى أنك شخص معقد وصعب المعشر، ومتكبر، بل تعنى أنك شخص قوى تحترم نفسك وتحترم الآخرين، تريد أن تعيش حياتك وأنت تحافظ على ماء وجهك دون ذل أو إهانة لك وللآخرين، فمن مظاهر احترام الشخص لنفسه، احترامه لغيره ورفضه أن يهان أو يحتقر أى شخص على الإطلاق.. فمن يحافظ على كرامته يحافظ على قيمة غيره.
الكثير يربط الكرامة والكبرياء بالنساء، لا أعرف لماذا، فالرجل والمرأة كلاهما بشر من لحم ودم وروح وعقل وقلب، والفروق لا تفسد للكرامة قضية، ولعل المجتمعات الشرقية هى التى ربطت الكرامة بالمرأة أكثر من الرجل، حيث إنها مجتمعات ذكورية، ترى أن الرجل لا يعيبه شىء، أما المرأة فكل شىء، لدرجة أن المتطرفين يربطون حجاب المرأة بكبريائها وكرامتها، منتهى الجهل كالعادة، لأنهم يعتبرون المرأة من الممتلكات، لا أكثر، ينظرون فقط للمظهر، لأن الدين عندهم مظهر فقط وليس معاملة كما يقول رسولنا الكريم.
ولكن الفكرة أعمق من ذلك بكثير، لعلها مرتبطة بالتربية فى المقام الأول، أن تتولى الأسرة تربية أبنائها على القيم المرتبطة بعدم التفريط فى الحق والكرامة، وبأنه لا شىء يساوى فى هذا العالم كرامتك، فهى خط أحمر لا يجوز لأى شخص أيًا كان أن يسحقها لأى سبب وأى هدف، وأن عليك أن تسعى لتحقيق أحلامك ولكن بعزة نفس وكبرياء، لا ترضى بالإهانة حتى لو ستموت من الجوع، يكفى أن تلقن طفلك هذه الكلمات حتى يغدو رجلًا أو امرأة يعلم وتعلم قيمة نفسها، وتدرك أن كرامتها أغلى ما تملك، من يفرط فى كرامته يفرط فى وطنه ويبيعه لمن يدفع أكثر، لا يعرف معنى الأرض أو العرض، لذلك لا أثق فى هذا الشخص، والغريب أن الصفات كلها تكمل بعضها، وهذا الشخص الفاقد لعزة نفسه، قد تجد عنده تجميعة فريدة من الصفات السيئة، وهذا طبيعى.
اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجرى بمقادير كما يقول على بن أبى طالب، رضى الله عنه، أى لا ينبغى أن تذل نفسك لغير الله، لا تذل نفسك لعبد من عباده فإن كل شىء مقدر عند رب العالمين، فى دعوة صريحة للناس بأن يراعوا كرامتهم قبل أى شىء، وحتى فى الرزق اسعَ لرزقك واجتهد بعزة نفس لا تهتز مع رياح تغيرات الزمن.
وعن الحب.. لا يكون حبًا حقيقيًا وصادقًا إلا عندما يكون بكرامة، لا أقتنع بمن يفرط فى كرامته لأنه يحب، الحب من غير كرامة يصبح مشوهًا، ناقصًا، وهشًّا ضعيفًا لا خير فيه، وأرى أن الكرامة قبل الحب، لأنها تمنحه صيغة القوة والبقاء، لذلك تقول كوكب الشرق: أصون كرامتى من قبل حبى، وقد أشار كاتبنا الراحل إحسان عبدالقدوس لفكرة الكرامة وربطها بالمرأة فى الكثير من رواياته، فهو أكثر من شعر بالمرأة وكتب عنها، لذلك تزعجنى فكرة أن لا كرامة فى الحب، على العكس أرى أن الكرامة هى سر بقاء الحب قويًا وصادقًا لا عيب فيه ولا نقصان.