رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: دموع صاحبة الجلالة




مثلها مثل أى مهنة، فيها الكويس والوحش، صاحب المبدأ والانتهازى الذى لا تفرق معه المبادئ ولا يحركه الضمير، السيئ والردىء، الحقيقى والمزيف، المجتهد الموهوب ومن يعتمد على الوشاية والفهلوة والتسلق، النشيط والكسول، الصحافة مهنة مثل أى مهنة أخرى، ولكن هناك من يريد دائما وعلى مر العصور أن يجعلها مهنة من لا مهنة له، ليسفه منها ويضعفها، فهى مهنة مكروهة للبعض، لأنها تكشف عن حقائق وتقود الرأى العام، ولكنى أرى دائما أن من يكرهها إما جاهل أو فاسد، وأذكر هنا الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى عندما كانت تهاجمه الصحافة، خرج مرشد الجماعة الإرهابية، محمد بديع، قائلًا عن الصحفيين إنهم «سحرة فرعون».
مهنتى الصحافة وأفتخر، فقد اخترتها بكامل إرادتى، وشغفى الشديد بها لم يؤثر عليه شىء، لذلك أحزن دائما على أحوالها عندما تهتز، حينما تمر بمرحلة صعبة، ولكن أكثر ما يحزننى هو أن تضرب بيد أبنائها، وكذلك أن يبغضها الناس التى تكتب بهم ولهم الصحافة، لا أعلم ماذا حدث بالضبط وتسبب فى الأزمة التى تمر بها مهنتى الغالية، هل السبب التغيرات والتطورات المحيطة، مثل انتشار مواقع التواصل الاجتماعى؟ وإذا كان هذا هو السبب، فكم من شائعات وأكاذيب تخرج كل يوم بل كل ساعة من هذه المواقع، وتنتشر بسرعة فائقة، وتضر الجميع، أعتقد أن المتلقى أو القارئ بعد ذلك مضطر لأن يذهب إلى الصحف والمواقع الإلكترونية ليعرف الحقيقة، أو أنه بعد مرور الوقت لن يصدق معلومات السوشيال ميديا، وستكون محل شك بالنسبة له، ليكتشف ضرورة وجود الصحافة، فيلجأ إلى الصحف والمواقع الصحفية ليعرف المعلومة الصحيحة التى تهمه فى الفن أو الرياضة أو السياسة أو أى شىء يقع فى دائرة اهتمامه.
تكلمت عن هذا السبب أولًا.. بما أنه أكثر الأسباب التى يشار إليها على أنها التى أضعفت الصحافة، وجعلتها أقل أهمية لأن القارئ لم يعد يحتاجها، لأنه يعرف المعلومات من السوشيال ميديا، هذه مجرد مرحلة وفى النهاية لا يصح غير الصحيح، ولكن هناك أسبابًا أخرى منها الأسباب الاقتصادية والتى جعلت مرتبات الصحفيين متدنية، فيضطر الصحفى إلى العمل فى أكثر من مكان لتلبية احتياجاته، وحتى يستطيع العيش بكرامة لمواجهة غول ارتفاع الأسعار، وهو ما يجعله أقل تركيزا فى عمله، وبالتالى أقل دقة وأقل كفاءة، وبالطبع توجد استثناءات، ولكن بشكل عام فإن الصحفى هنا يحصل على ساعات نوم وراحة أقل، ويعمل طوال اليوم، يخلص من مكان ليذهب إلى المكان الآخر، فلا يوجد وقت لديه للقراءة والاطلاع، والثقافة هى رأسمال أى صحفى، ولكن العمل فى أكثر من مكان قد يؤثر على ذلك بشدة، كما أن أسعار الكتب أصبحت مرتفعة لدرجة أن مرتبات الصحفيين أضعف من أن يشملها بند شراء الكتب، ولنفس الأسباب أيضا لا يذهب إلى السينما والمكتبات ولا يحضر الندوات الثقافية، والجلوس مع أصحاب الخبرة فى هذه الأماكن ليعرف منهم الصح من الغلط، ويستمع لنصائح من سبقوه، وبالتالى فيكون الصحفى مثل الآلة التى تعمل ولا روح فيها أو عقل، وكل هذا يؤثر عليه مهنيًا، فيفقد الكثير من الكفاءة التى تضعفه صحفيًا مما يؤثر بالسلب على المهنة.
كما أن الضغوط المادية جعلت الصحفى يفقد شغفه كثيرا بمهنته، والتى أصبحت بالنسبة له مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش.
وهناك أيضا سبب خطير، وهو اعتماد الصحفيين أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعى والإنترنت لمعرفة الأخبار، وهى كارثة، فى الماضى كنا نتحرك وننزل إلى الشارع، ونذهب إلى أرشيف الصحف العريقة مثل الأهرام، ونتحدث مع المصادر حتى نكتب موضوعًا أو تحقيقًا صحفيًا، أما بعض الصحفيين اليوم من شباب المهنة، يضغط بزر على جهاز الكمبيوتر ليكتب، مما جعل أخباره وموضوعاته مستقاة من الفيس بوك مثلًا، فإذا كان القارئ أصبح يعتمد على المعرفة من السوشيال ميديا، فإن الصحفيين للأسف بعضهم يكتبون منها ويعتبرونها مصدرًا، فتكون المعلومات مغلوطة والكتابات ركيكة، والشغل ضعيف لا ينتبه له أحد، وهذه الوسائل جعلت بعض الصحفيين ليس عندهم استعداد لبذل الجهد أو التفكير والإبداع، وعمل أفكار صحفية جديدة ومخدومة، لينصرف القراء ويقولوا الجملة المحزنة والشائعة «كل أخباركم من الفيس بوك»، تضررت المهنة كثيرا بسبب ذلك وفقدت قوتها وتأثيرها، ولذلك فهى تضرب بيد أبنائها، وممن يسمحون باستمرار الصحفيين الضعفاء مهنيًا، وغير المستعدين لبذل الجهد فى مؤسساتهم تحت أى بند، ويتم تعيينهم بعد ذلك لأنهم بمرور الوقت تصبح لهم حقوق، بينما هم يشكلون عبئًا إنسانيًا، ويصبحون أعضاء فى نقابة الصحفيين، إذن فمن الطبيعى أن تضعف المهنة ككل، لذلك أرى أن أول من خان الصحافة هم أبناؤها.
سبب آخر أيضًا فى غاية الأهمية، وهو السهام التى توجه من مختلف الجهات لهذا الكيان بغية هدمه، سواء بقصد أو دون قصد، وتكون موجهة من الفاسدين والجهلة وأصحاب المصالح من جهة، ومن جهات رسمية مختلفة من جهه أخرى، مثل أن يطرد وزير الصحفيين من مؤتمره الصحفى، وعليه فإن انطباعًا ما يتسرب لدى الناس بأن الدولة لا تحترم الصحفيين، مما يقلل من قدرهم وهيبتهم لدى الجميع، فيتجرأ كل من هب ودب عليهم وعلى مهنتهم، كما أن الإعلام أصبح بمرور الوقت الشماعة التى يعلق عليها الجميع مشاكله وأزماته، على الرغم من أنها المهنة الوحيدة التى لا تدفع مقابلها عندما يلجأ إليها الناس، عندما تمرض وتذهب إلى طبيب، فإنه يأخذ منك ثمن الكشف، وعندما تريد الحصول على حقك، تذهب للمحامى الذى يأخذ منك أتعابًا مقابل مساعدته لك، وهلم جرا، أما الصحفى فعندما توجد لديك مشكلة وتشعر بأن الصحافة هى التى تساعدك على أخذ حقك، بعد جلوسك مع الصحفى بالساعات وأنت تعرض عليه مشكلتك، فلا يطالبك بالمقابل بعد ذلك، لن تدفع قبل أن تغادره.
وفى الشدة تجد الصحافة حاضرة وبقوة، مثل العام الأسود الذى تولى فيه الإخوان الحكم، أعتقد أن الصحافة والإعلام كانت أول من يواجه فسادهم وخيانتهم، رغم جبروتهم وعنفهم وانتقامهم الذى لا رحمة فيه، وتجسد ذلك فى قتلهم الزملاء الصحفيين وعلى رأسهم زميلنا الشهيد الحسينى أبوضيف، ومن قبله الكاتب الشهيد فرج فودة الذى قتله من قتل الحسينى، ولكن فى ظروف مختلفة، والتى كانت فى الموجة الإرهابية فى التسعينيات، نعم نحن أيضا نقف ونواجه ونحمل أرواحنا على أكتافنا، ونتعرض للمخاطر، فهى أصلًا مهنة البحث عن المخاطر والمتاعب.
لماذا إذن كل هذا العداء من الجميع للصحافة؟ لماذا كل هذه السهام التى تطلق عليها، حتى من أبنائها، أتمنى أن تكون مرحلة عابرة ليس أكثر، فلكل جواد كبوة، وستجف دموع صاحبة الجلالة، وتستعيد قيمتها وهيبتها من جديد.. فهى مهنة عريقة من مصلحة الجميع أن تظل قوية.