رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماكرون فى مؤتمر الشباب


معقولة ماكرون عنده ٣٩ سنة؟ نعم هذا صحيح.. سؤال وجواب يتردد كثيرًا هذه الأيام، بعد أن وصل المرشح الفرنسى والرئيس المحتمل «إيمانويل ماكرون» لدور النهائيات فى الانتخابات الفرنسية، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من «قصر الإليزيه».. والذى كان وزيرًا للاقتصاد وهو شاب فى الثلاثينيات قبل خوض سباق الرئاسة.

فى مصر تحديدا الدهشة تصيب الجميع لأننا لم نعتد تولى الشباب مناصب قيادية، بل لم نعتد رؤيتهم فى أماكن هامة بشكل عام إلا نادرًا، «وماكرون» ليس الوحيد فى دول العالم المتقدم الذى يصل إلى منصب ومكانة مهمة، وهو فى سن صغيرة، فقد سبقه كثيرون، ولذلك لن تجد أحدا فى هذه الدول يصاب بدهشتنا، هو أمر عادى جدًا عندهم.

الأمر الذى يثبت أنه عندما يجد الشباب الفرصة والدعم من الدولة يحققون النجاحات المدهشة وفى وقت قصير، فى فرنسا على سبيل المثال، بمناسبة «ماكرون والانتخابات» يحصل الشباب فيها على تعليم حقيقى من الدولة، تعليم مجانى ولكنه قوى ومحترم يخرج العلماء والرؤساء، ولا يحتاج أحد من أولياء الأمور أن يدخل أولاده إلى مدارس خاصة باهظة الثمن تجعله متعثرا ومفلسا فى المستقبل حتى يحصلوا على فرصة تعليم جيد ومحترم، الدولة كفيلة بذلك بدلا منه.

كما أن الدولة تخصص جزءا كبيرا من ميزانيتها للإنفاق على البحث العلمى ودعم الحياة الثقافية والفنية، كما أن الشباب يحصلون أيضا على صحة وطعام نظيف، وحياة إنسانية وآدمية، ونظام حياة دقيق للغاية وفرص للعمل، غير تشجيع الدولة لهم وإعطائهم الفرصة لسماع أفكارهم وإفساح المجال لهم، لا السخرية منهم وتجاهلهم.

وفى الوقت نفسه الذى نتابع فيه «ماكرون»، الشاب الفرنسى الذى يخوض بقوة انتخابات واحدة من أهم وأقوى وأعرق دول العالم، ينعقد المؤتمر الوطنى الثالث للشباب فى الإسماعيلية، تجربة جديدة أعتقد أن مصر هى الدولة الأولى التى تعقد مؤتمرا دوريا للشباب.

تجربة فريدة ورائعة تسد ثغرة هامة، وهى كانت محل شكوى متكررة للشباب المصرى فى العهود الماضية أنه يوجد حاجز بينهم وبين الحاكم، لا أحد يسمعهم ليعرف مشاكلهم ومعاناتهم، لا أحد يعرف آمالهم ويطلع على أفكارهم وطموحاتهم، وبالتالى فهم محجوبون ومتجاهلون وليس لهم دور فى بناء الوطن، مما أوصلهم لحالة الغضب ومنها الثورة، وهو ما يحققه المؤتمر الوطنى للشباب إلى حد ما، فإن رئيس الدولة بنفسه يستمع ويحلل ويقرر، دون وسطاء، يطلع على أفكارهم وطموحاتهم، حتى تتاح لهم فرص المساهمة فى العمل وبناء الوطن، ويشعروا بأن لهم دورا وأن بلدهم يحتاج إليهم.

ولكنى لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة.. هل يستفيد شباب مصر أجمع من هذه المبادرات أم أنها مقصورة على من يحضرون المؤتمر فقط؟!

وبغض النظر عن الإجابة.. فإنى أرى أنه لضمان استفادة الشباب جميعا وإحساسهم بأهمية ما يحدث من أجلهم، فإنه ينبغى أن تناقش المؤتمرات الوطنية للشباب ما يهم الشباب ويجذبهم، ويجعلهم متعاونين مع الدولة، مثل كيفية الحصول على فرص العمل وخفض معدلات البطالة، وأن الدولة سوف تساعد وتقف مع كل من لديه فكرة أو مشروع يريد تحقيقه، بالدعم المادى وتذليل العقبات الخاصة بالروتين والتى تعطل كل شىء، مثلما تحدث الرئيس عما تفعله شرطة البلدية وهى تهد الكافيهات وعربات الطعام الخاصة بمواطنين ليس لديهم رخصة، وطلب من الشرطة أن تتعامل بهدوء مع هؤلاء لأنهم «يعملون» وأنه يجب أن تذلل العقبات لهم، حتى يستمروا فى العمل وبذل الجهد الذى تحتاجه مصر، خاصة فى هذا التوقيت الصعب الذى تحتاج فيه لمجهود وأفكار كل شخص، لا سيما فى مجال العمل، كما ينبغى أن تناقش مثل هذه المؤتمرات كيفية تحصين الشباب وإبعادهم عن الانسياق وراء التطرف والتشدد الذى يفرز إرهابيين يدمرون الوطن بدلا من شباب يرتقون به، نعرف من الشباب أنفسهم ما هو المطلوب من الدولة تجاههم حتى لا ينحرفوا عن الطريق الصحيح، فينجرفوا وراء الضالين والمضللين ويقعوا فى مستنقع التطرف والإرهاب.

وظاهرة مثل التحرش الجنسى تحتاج بالتأكيد للمناقشة مع الشباب، نستمع إلى وجهات نظرهم عن كيفية مواجهة التحرش الجنسى والقضاء على هذه الظاهرة الكارثية، وينبغى أيضا مناقشة كل ما يعانى منه الشعب المصرى وليس الشباب فقط، حتى تستفيد الدولة من طاقتهم وجرأتهم فى طرح الأفكار وحماسهم فى التنفيذ، وحتى يعمق لديهم الشعور بأن لهم دورا فى المجتمع ولهم أهميتهم فى الوطن ولا يمكن الاستغناء عنهم، وتخلق عندهم روح المشاركة الحقيقة.

فإن أى دولة لا تهتم بشبابها ولا تدعمهم وتستعين بهم، هى دولة بلا مستقبل، تتحكم بها الشيخوخة وتجمدها، ويكون ذلك سببا فى غضب شبابها والذى يتمثل إما فى الهجرة منها، أو بالتمرد عليها، والحمد لله أننا فى مصر تداركنا ذلك وبدأنا أول خطوة فى التواصل معهم وسماع أوجاعهم وأحلامهم.. لعلنا نجد «ماكرون» بين الشباب.