رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطعام فيه سمٌ قاتل


ما يحدث للتلاميذ جراء تناول الوجبات المدرسية من حالات تسمم ربما يلخص الحال الذى وصلت إليه مصر، ويدل على حصادٍ مؤلمٍ وكارثىٍ لسنوات طويلة ماضية شوهت وجرفت ورسخت مفهوم الرخص فى كل شىء.

تسمم الطعام المدرسى، إهمال وفساد وضياع وغياب البوصلة، لمسئولين من المفترض أن الشعب والنظام وضع فيهم ثقته وائتمنهم على الوطن، ومنحهم مناصب يفخرون بها هم وأبناؤهم وأحفادهم، لا يستحقونها.



خمس وزارات مسئولة عن تسمم الوجبات المدرسية، حسب كلام «طارق شوقى» وزير التربية والتعليم، حيث صرح بأن الجهات المنوط بها التغذية المدرسية هى «الصحة، المالية، التضامن، الزراعة، والتربية والتعليم»، أى أننا أمام خمسة وزراء لا يصلحون ولا يصح أن يكونوا فى أماكنهم، لأن ما حدث، إن دل على شىء، فإنما يدل على العبث بمستقبل وأمل هذا البلد، وهو فضيحة أمام العالم كله الذى يولى النشء والتلاميذ الصغار أهمية كبرى وعلى قمة أولويات الدول المتقدمة، فكيف لدولة تريد التقدم والرقى والنهوض من الكبوة، وتخطو نحو التنمية أن تهمل أطفالها إلى هذا الحد، وأعتقد إذا حدث ذلك فى أى دولة فى أوروبا أو أمريكا لكانت انقلبت الدنيا رأسًا على عقب وتم تقديم المسئولين عن هذه الجريمة للمحاكمة، فهى جريمة فى حق وطن.

وحتى الدول العربية فيكفى نظرة واحدة إلى الإمارات، على سبيل المثال، لنجد كم الاهتمام والرعاية التى توليها الدولة للتلاميذ الصغار والأطفال فى كل الجوانب المتعلقة بهم، لا يفرط أحد فى قوته البشرية ومستقبله ويستنزفها بهذا الشكل مثلما يحدث فى مصر.

لا أعرف إذا كان ما حدث متعمدًا أم لا، رغم أنه، على الأرجح، غير متعمد فهو إهمال وفساد أصبح مثل الماء والهواء فى مصر، وطال كل شىء حتى طعام الصغار فى المدارس، رغم أنه من المفترض أن يحدث العكس، وتكون الوجبات المدرسية مضمونة بنسبة مائة فى المائة، بأن تمر على مراحل من الرقابة الشديدة لضمان نظافتها وجودتها، وأن تكون ثرية غذائيًا لبناء عقل وجسم سليم، ولذلك لا تفرق كثيرًا إذا كان هناك تعمد من عدمه، لأن النتيجة واحدة ولا تبرير لها، وهى تسمم الأطفال فى المدارس.. أطفال مصر هم مستقبلها، والتسمم هو تسمم لهذا المستقبل.

فى الولايات المتحدة الأمريكية يتم الاستعانة بأساتذة الجامعات لتعليم الأطفال فى مرحلة التعليم الأساسى، لأنهم يرون أن بناء مواطنٍ مفيدٍ لبلده ولنفسه يبدأ من هذه المرحلة المهمة، وأن مستقبل أمريكا يتوقف على التلاميذ الصغار الذين يخرج منهم مستقبلا العلماء والأطباء والضباط والاقتصاديون والسياسيون والعمال إلى آخره، الذين ينهضون بمستقبل البلاد ويضمنون استمرار تصدرها وزعامتها للعالم، هذا للتعليم، فما بالنا بصحة الأطفال بدنيًا ونفسيًا.

وفى مصر لا أدرى كيف تعتمد دولة على جيلٍ تعرض للتسمم من الطعام الذى تقدمه له المدرسة، قد ينشأ وهو فاقد الثقة والشعور بالأمان فى بلده الذى قدم له طعامًا فيه سم، ومن لديه عقلٌ يعى ويفكر، وبصيرةٌ ترى ما لا تراه العين يعرف تمامًا أن أطفالنا تسمموا نفسيًا قبل أن يتسمموا بدنيًا.. حيث لا مجال للتجاهل والبحث عن مبررات لهذه الجريمة بحق المستقبل.