رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرنسيون يطلبون المصلحة.. ولو في الصين


الفرنسيون من أكثر الشعوب التى تعتز بلغتها بشدة وتفخر بها.. وتخشى عليها من الاندثار.. بسبب انتشار الجاليات الأجنبية العديدة التى تعيش فى فرنسا، وعلى رأسها الجالية العربية، وتضم فرنسا أكبر جالية عربية تعيش فى أوروبا والتى أدخلت بعض الكلمات والمصطلحات العربية على اللغة الفرنسية، خاصة الجزائريين.

هذا جعل الفرنسيين يشعرون بالقلق ويتمسكون بلغتهم أكثر وأكثر، لدرجة أنه يحدث كثيرا أن تسأل فرنسيا فى باريس، «هل تتحدث الإنجليزية» ويرد بالنفى رغم أنه قد يكون يتحدثها بطلاقة، لأن فرنسا بلد سياحى بالدرجة الأولى ويقول «عفوا لا أتحدث غير الفرنسية»، من يسافر إلى باريس يعرف ذلك جيدا وقد يكون قد تعرض لهذا الموقف مرات عديدة، خاصة مع أصحاب المحلات التجارية.

ولكن المدهش أن هؤلاء الرافضين للتحدث بلغة أخرى غير لغتهم الأصلية، تجدهم الآن يتعلمون اللغة الصينية ويبحثون بشغف عن معاهد تدرسها، بعد أن أدرك الفرنسيون حقيقة أن الصين تغزو العالم بالفعل، وقد شهدت فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية تدفق أعداد كبيرة من الصينيين على أراضيها، سواء للعمل أو السياحة، بل إنه فى أكثر الأوقات ظلامًا بالنسبة للاقتصاد، الذى يعتمد بشكل كبير وفى المقام الأول على الرحلات السياحية، بسبب ضربات الإرهاب المتتالية لفرنسا، والتى أثرت سلبيا بدرجة كبيرة على السياحة، تجد أن الصينيين لم يمتنعوا عن زيارة فرنسا بل إنهم يعدون من أنقذوا فرنسا واقتصادها المعتمد على السياحة العامين الماضيين، بسبب تدفقهم على باريس بشكل خاص وغيرها من المدن الفرنسية فى كل أوقات السنة دون أدنى تأثر بخطر الإرهاب، والذى جعل سياحا من دول كثيرة يتجنبون السفر إلى الأراضى الفرنسية، بل إن روما والمدن الإيطالية كانت البديل، وجذبت سياح فرنسا وسحبت البساط منها، وكذلك دول أوروبية مجاورة خلال الفترة الماضية، التى أعقبت حوادث الإرهاب المتتالية التى ضربتها.

وقد يكون هذا ما دفع الفرنسيين لتعلم اللغة الصينية، وقد أدركوا أهمية الصين بالنسبة لهم وبالنسبة للعالم كله، خاصة أن المنتجات الصينية تغزو الأسواق الفرنسية، وتلقى رواجا بسبب رخص أسعارها وجودتها، لأن المنتجات التى تصدرها الصين لأوروبا وأمريكا تختلف فى جودتها عن التى تصدرها للدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط والتى تكون بدرجة جودة أقل.

جدير بالذكر أنه حتى الماركات الفرنسية تصنع فى المصانع الصينية بالصين وخاصة الملابس، فعندما تشترى منتجًا ذا ماركة فرنسية تجد «صنع فى الصين» مكتوبة عليه، والسبب فى ذلك، الذى جاء على لسان بعض رجال الأعمال فى فرنسا، أن تكلفة المنتج تكون أقل عندما يصنع فى الصين عنه فى المصانع بفرنسا، بسبب كثرة الأيدى العاملة وانخفاض أجرة العمال، وكذلك انخفاض أسعار الخامات.

كل ذلك جعل الفرنسيين يهتمون باللغة الصينية كثيرًا بشكل لافت للنظر، وانتشرت فى أنحاء فرنسا المراكز التى تدرسها، وعليها إقبال كثيف من الفرنسيين ومن الجنسيات الأخرى التى تعيش فى فرنسا، كما أن هناك إقبالًا من الطلاب الفرنسيين على تعلمها، فهى المطلوبة الآن فى سوق العمل، خاصة فى السياحة والتجارة، كما يتردد فى فرنسا أن الحكومة الفرنسية بصدد الموافقة على إنشاء مدارس صينية فى أنحاء فرنسا، وهو إن دل على شىء فإنما يدل على وعى وذكاء هذا الشعب العريق الذى يعمل من أجل مصلحته ومصلحة بلاده، هو ضد انتشار لغات أخرى فى فرنسا مثل العربية بسبب تضخم الجالية العربية هناك، بشكل يهدد لغتهم الأصلية، وفى نفس الوقت هم ليسوا ضد تعلم الصينية لأنها تدر منافع عليهم، والمنافع هنا اقتصادية بحتة فى ظل أزمة اقتصادية كبيرة تشهدها الدولة الفرنسية، ليس لديهم حرج فى انتشار اللغة الصينية بينهم ولا حتى فى انتشار الصينيين بمطاعمهم ومحالهم التجارية، لأنهم يعرفون كيف يستفيدون منهم ومن انتشارهم فى العالم كله، هكذا تتطور الشعوب وتنمو وتعرف مصلحتها وتطلبها ولو فى الصين.