رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التهجير الكامل حتى يعيش أهل سيناء في سلام


كل ما نريده الآن هو أن يعيش الناس فى سلام.. ولكن كيف يأتى السلام والحرب دائرة.. والعدو لا يرحم.. يضرب بقوة كل مختلف معه حتى لو كان من نفس ديانته.. يقتل كل من يقف عائقا أمام تحقيق هدفه.. وهدفه واضح وضوح الشمس هو الاستيلاء على الأرض.. أرض سيناء الموعودة دائما بالحروب. أرض سيناء يعانى فيها الآن المسلم قبل المسيحى، وإن كان الضوء مسلطا منذ أسابيع على أقباطها بسبب ملاحقة الدواعش لهم بالذبح والحرق، مما اضطر الأهالى لمغادرة ديارهم باحثين عن مأوى جديد يشعرون فيه بالأمان الغائب فى سيناء.

ولكن من يدرى، لعل المسلمين فى الشمال الحزين يعيشون نفس لحظات الخوف والرعب والقهر أكثر من الأقباط، وهذه هى الحقيقة والروايات التى تأتى من هناك مرعبة، وكفيلة بأن نعلم أن الأمر ليس مقصورا على المسيحيين فقط، ومن هذه المشاهد التى يتعمد الجميع إخفاءها من كثرة قسوتها وعنفها، أنه عندما يهرب مسيحى بأسرته داخل منزل جار أو صديق مسلم ويعلم بذلك الدواعش، يدخلون إلى البيت ويقتلون كل من فيه، فهم يعتبرون وقتها أن المسلم كافر لأنه تستر على كافر، وفى أكثر من مرة حرقت المرتزقة بيوت المسلمين التى تؤوى مسيحيين بما فيها، ولعلنا نتذكر الشيخ الصوفى العجوز «أبوحراز»، الذى تجاوز المائة العام، الذى ذبحوه بلا شفقة أو رحمة منذ شهرين، لأنه كافر ويدعى معرفة الغيب كما قالوا.
 وبعد أن حدث ما حدث.. فنحن أمام حقيقة لا مهرب منها وهى ضرورة إخلاء سيناء من الأهالى، للحفاظ عليهم أولا ولتنظيف الأرض من القتلة والأوغاد ثانيا.. وهى ليست المرة الأولى ونحن نعرف أن أهالى مدن القناة حدث معهم الشىء نفسه من قبل فى الخمسينيات والستينيات وانتقلوا من بيوتهم لمدن أخرى بحزن شديد أصابهم ولكن ليس بغضب من الدولة، بل إنهم كانوا يدعمون الجيش ويحاربون معه وسجل التاريخ أعظم البطولات لأهالى السويس وبورسعيد والإسماعيلية، لم يحدث غضب بل دعم لأنه كان يوجد قرار من الدولة بشكل واضح بضرورة إخلاء المدن وتحريك السكان لإعداد الجبهة للقتال، والبدء فى حرب الاستنزاف، وتم نقل مليون شخص تقريبا للقاهرة والصعيد ومدن الدلتا حتى لا يكونوا فى مواجهة نيران العدون، هاجر الأهالى وظل البعض متطوعين يحاربون المحتل فى مقاومة شعبية رائعة نفتخر بها حتى الآن. قد يكون الزمان والمكان مختلفين والظرف أيضا مختلفا، ولكنها فى النهاية حرب مع عدو جديد بشكل أصعب، لأن الحروب مع الجيوش المنظمة أعتقد أنها أسهل كثيرًا من الحرب مع عصابات مرتزقة، تضرب بشكل مفاجئ فى كل مكان وتزرع المتفجرات وتهجم بعشوائية وتقتل فى الظلام. وجود الأهالى يعد حجر عثرة فى وجه قوات الجيش، التى تتجنب الضرب فى المناطق المأهولة بالسكان حتى لا يصاب المدنيون بأذى، وفى الوقت نفسه يتحصن الإرهابيون فى هذه المناطق ويستخدمون الأهالى رهائن ودروعا بشرية، ولكن المطلوب أن تفعل السلطة مثلما فعلت أثناء العدوان الثلاثى وحرب ١٩٦٧، أن يكون هناك قرار واضح ومعلن بشفافية تامة بضرورة إخلاء مدن شمال سيناء من الأهالى، حتى تتم السيطرة على الوضع والقضاء على العناصر والمجموعات الإرهابية، ثم يعودون من جديد لبيوتهم. الوضوح والشفافية يقطع الطريق على الشائعات والأكاذيب وسوء الظن، عكس القرارات التى تؤخذ فى الخفاء خشية الغضب الشعبى. التفاهم مع الناس أفضل من الصدام والتجاهل، مع ضرورة توفير بيوت لهم ومدارس وعمل فهو واجب الحكومة والدولة بكامل أجهزتها، والدولة المصرية لا تتخلى عن دورها أبدا تجاه مواطنيها. حل المشاكل فى مصر يتم عادة بخلق مشكلات وأزمات جديدة، ولكن فى حالة الحروب لابد أن يكون هناك حل عاجل بشكل واضح تمامًا وقرار سريع، قد يحزن الناس لتركهم أرضهم وبيوتهم وتحريكهم لأماكن جديدة غير معتادين على العيش فيها، ولكن القرار الواضح يجعلهم راضين عن ذلك، لأن أمنهم وسلامتهم والحفاظ على حياتهم وحياة أطفالهم هى الأهم على الإطلاق، ومواجهة الناس بذلك هو ما يجعلهم راضين بل داعمين للقرار وللدولة، التى تريد أن تحميهم لا أن تخرجهم من ديارهم. ولكن من العبث بمكان أن يظل الناس يعيشون على أرض بها حرب دائرة ومشتعلة، فهم عرضة دائما للقتل والتشريد، كما أنهم يمثلون عائقًا أمام تقدم القوات للقضاء على الجماعات الإرهابية. نقل الأهالى مثل عملية جراحية خطيرة وصعبة للغاية ولكنها ضرورية لشخص مريض بمرض قاس وخبيث، حيث أصبحت المسكنات غير نافعة فى تسكين ألمه، كما أن المرض كل يوم ينتشر فى جسده أكثر، ويستولى على قطعة منه فيجعله هزيلا وضعيفا وغير قادر على استكمال رحلة الحياة، والعملية الجراحية هى الحل الوحيد للقضاء على المرض وتعافى الشخص.. حتى يعيش الناس فى سلام.