رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرحة المصريين بالدنيا


عظمة المصريين تنبع من مشاعرهم المتناقضة.. تلك الحقيقة التى تيقن منها الجميع، عبر السنوات الصعبة التى مر بها مجتمعنا.. فرحة الشعب لأبسط الأمور وتذمره من أشياء تبدو تافهة فى عيون «النخبة»، أصبح هو معيار الحكم على الأمور، بعيدًا عن أى نظريات يحاول البعض تزييف الواقع من خلالها.


ومن غير المقبول أن يكون الحكم على مشاعر المصريين وفق الأهواء الشخصية لأى من كان شخصه وقيمته، فـ«الشارع» هو الترمومتر الدقيق لقياس حقيقة توجهه ولا يمكن لأحد المزايدة عليه بأى شكل من الأشكال، وهو ما تجلى خلال الأيام الماضية، من تفاعل مع الانتصارات المتتالية لمنتخبنا الوطنى فى بطولة الأمم الإفريقية، وتجلت مظاهره فى حفلات الرقص والبهجة التى سيطرت على الشارع المصرى، فى مشهد غاب عنا كثيرًا.

ولذا، فإن تعليق البعض على فرحة البسطاء، وتفرغهم لتوزيع الاتهامات على المصريين حتى وصل بهم الأمر لوصف الشعب بالجاهل، كان مستفزًا للجميع، كاشفًا بما لا يدع مجالًا للشك عن أن هناك الكثير ممن يطلق عليهم «أهل النخبة» و«شباب الثورة» قد فقدوا حاسة إدراك متطلبات الشعب، وانفصالهم التام عن الواقع الذى يعيشه المصريون.

وكان مدهشًا للغاية نجد أن بعض من يطلق عليهم «مناضلون وثوار» ينتقدون ذلك ويتهمون المصريين بأنهم مغيبون وتافهون، بل إن منهم من كتب على صفحات التواصل الاجتماعى أن الشعب جاهل ومتخلف، فكيف تستخف بفرحة الناس وتُسفِّها لمجرد أنهم فرحوا فرحة عامرة؟.

«بتشتم الناس علشان بيفرحوا» وأنت المطالب بالنضال من أجل سعادتهم.. تلك الإشكالية التى تكشف الحقيقة المرة وهى أنك تناضل من أجل مجدك الشخصى فقط، فمن هبوا للمشاركة فى الثورات العظيمة فى 25 يناير و30 يونيو، لم يكن هدفهم شيئا سوى تحقيق مستقبل أفضل للناس، يوفر لهم السعادة، أى أن الغاية هى سعادة الناس فلماذا الآن ترى فى سعادتهم تفاهة؟

أعتقد أن النظر للأمور بحكمة، ومتابعة ما حدث فى هذا الموقف تحديدًا، يجيب لنا عن السؤال الأصعب: لماذا لم تحقق ثورة يناير أهدافها على وجه الدقة؟، وبات واضحًا أن أبرز الأسباب فى ذلك هو محاولة البعض احتكار الوطنية، وتقديم أنفسهم فى صورة «الشخص الذى لا يخطئ أبدًا»، وأنه الوحيد الذى يعشق الوطن ويعرف مصلحته، أما غيره فهو منساق ومغيب، وهو السبب الرئيسى فى اعتقادى الذى خلق الهوة الكبيرة بين الناس فى الشارع والبعض ممن يمارسون العمل السياسى، وجعل الناس أو غالبية الناس لا يسمعون لهم، بل إنهم يعتبرون أنهم سبب ما يمرون به من أزمات اقتصادية رغم أن ذلك غير صحيح بالمرة، ولكن الفكرة ترسخت عن الشعب؛ بسبب التعالى عليهم وتسفيه أسباب فرحتهم وراحتهم.. لذلك فإنه من الطبيعى أن يكون الفشل حليفكم رغم نبل بعضكم وسلامة نيته ووطنيته الحقيقية التى لا مزايدة عليها، كيف تنفصل عن الناس ولا تشعر بهم ومن المفروض أنك تعمل لهم وبهم.

على الجانب الآخر، نرى «الإخوان» طيور الظلام فى كل زمان ومكان.. وأعداء السعادة والانبساط يقفون بالمرصاد، ويتمنون الهزيمة للمنتخب القومى ومستعدين للشماتة فى حالة الخسارة.. لهم أهدافهم التى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تكون لصالح الوطن.. تاريخهم وحاضرهم يؤكدان ذلك.. مصر بالنسبة لهم ليست وطنًا والشعب المصرى ليس أهلًا وسكنًا.. فهم يكرهون الشعب ولا يرون فى مصر غير وسيلة لتحقيق أهدافهم، وأصبحوا الآن يمقتون أى نجاح وتطور وفوز يحقق للناس السعادة.

من الممكن أن تعارض النظام، وهذا حقك، بل إن المعارضة ظاهرة صحية تصب فى مصلحة الحاكم والوطن، وطبعا أتكلم عن المعارضة التى تستهدف الإصلاح والبناء وليس الهدم، لكن لا يمكن أبدًا أن تقف مع العدو فى الصف نفسه، لأنه مثلك يعارض، فهو له أهدافه وأنت لك أهدافك المختلفة تمامًا.. وبالمناسبة أرى أن من ينتقد الناس ويشتمهم لفرحتهم بأى شىء خاصة لو وطنيًا - حتى أو تافه من وجهة نظر سيادتك، فهى سطحية وتفاهة منك أنت.. فرحة المصريين بجد تسوى الدنيا.